السبت، 1 نوفمبر 2014

Buzzle التهجير


عندي إيمان إن الحدث في حد ذاته بيكون محير وفيه لغط كتير وإن مجرد إختلاف بسيط في زاوية الرؤية بينتج عنه تغيير حاد في نتائج الملاحظة لكن لو تعاملنا مع الحدث علي إنه مجرد جزء من صورة كبيرة ساعتها بيكون للحدث معني أوضح ومع تجميع القطع الصحيحة وترتيبها بالشكل الصحيح بنوصل لصورة مهمة تكشف لنا تفاصيل أكتر وتقلل اللغط وتوصلنا لمعلومات أوضح.

القطعة الأولي: النوبة
التهجير.. مصطلح ارتبط في أذهاننا بقضية أهل النوبة اللي بقالها سنين مطروحة واللي مفيش نظام أو حتي شبه نظام تعامل معاهم كما يستحقوا.. تهجير أهالي النوبة اتنفذ علي مراحل آخرها كانت سنة 1964 لما قررت الدولة المصرية التضحية بقري النوبة اللي تعد جزء من حضارة ومعالم مصر مقابل إقامة مشروع قومي، عدم وجودنا في الفترة دي هيصعب علينا تقييمها، يمكن يكون أهل النوبة فرحوا بالقرار وضحوا بنفس صافية، ويمكن يكونوا حسوا بالظلم، يمكن تكون الحكومة ساعتها نفذت عملية التهجير بكل إنسانية وتنظيم للحفاظ علي كرامة أهل النوبة.. ويمكن ﻷ، يمكن يكون المصريين ساعتها عارضوا القرار وطالبوا بالبحث عن بديل لتجنب تهجير 18 ألف أسرة، ويمكن يكونوا قدموهم قربان لعبد الناصر وغضوا الطرف عن عواقب التهجير وصبوا اهتمامهم علي النفع العائد علي مصر من بناء السد.. ويمكن مكانوش فاهمين أي حاجة وﻻ عارفين حجم القرار وﻻ إن في ناس ساكنة في الحتة دي أصلًا وكل معلوماتهم استمدوها من أغاني عبد الحليم اللي كانت بتمجد قرارات عبد الناصر وثورة يوليو.. بغض النظر عن التفاصيل اللي هتفتح جدل دون الوصول لنتيجة فالواقع التاريخي بيقول إن في 8 قري نوبية غرقت و18 ألف أسرة تم تهجيرها من أرضها بلا رجعة بهدف بناء السد العالي

عن تاريخ التهجير من جريدة الوطن
عن تهجير أهل النوبة من موقع الإشتراكيين الثوريين

القطعة الثانية: السويس
تاني مكان بييجي في بالنا لما نسمع مصطلح التهجير هو السويس. بعد إحتلال إسرائيل لسيناء كاملة أصبحت مدن القناة هي المدن الحدودية بين مصر وإسرائيل وبم إن الفترة دي كانت فترة حرب فالمدن دي مبقتش مناطق سكنية أنما مناطق حرب وكعادة الإسرائيليين إستهداف المدنيين كان جزء من خطتهم في حرب الإستنزاف ومع تكرار الغارات والنيل من المدنيين قررت الحكومة المصرية إجلاء سكان السويس حفاظًا علي أرواحهم. قرار تهجير السويس كان إجباري وكان السبب فيه حالة الحرب مع عدو خارجي ومصر ساعتها كانت لسة خارجة من هزيمة عسكرية وإستنزاف موارد في دعم دول عربية في حروبها وبالتالي منقدرش نحاسب الدولة المصرية غير علي سوء تنظيم عملية إجلاء وتسكين أهالي السويس ودي جنب الأخطاء اللي أرتكبت في تاريخ مصر المعاصر ممكن نتجاهلها والله أعلم

القطعة الثالثة: جزيرة القرصاية
علي الرغم من إنها قضية قديمة إلا إننا مسمعناش عنها غير بعد الثورة كنتيجة لإرتفاع -مؤقت- لسقف الحرية وحماسة المنتمين للثورة وهرولتهم للدفاع عن أي مظلوم. قضية جزيرة القرصاية بتتلخص في وجود مواطنين في مكان ما استقروا فيه لسنين طويلة وسلموها من جيل لجيل وفجأة جت الدولة طالبتهم بالخروج منها وترك إرثهم وجدورهم وشنت عليهم حملات استخدمت فيها العنف من خلال قوات الجيش. أهالي القرصاية لجأوا للمسار القانوني وحصلوا علي حكم قضائي في 2010 بأحقيتهم في البقاء في الجزيرة لكن لسبب غير مفهوم قرر الجيش من جديد التدخل وطرد الأهالي من أرضهم بالقوة وتم التعامل مع الرافضين علي إنهم مجرمين بيتعدوا علي قوات الجيش والتعامل ده نتج عنه وفاة أحد الأهالي والقبض علي آخرين وتقديمهم لمحاكمة عسكرية

عن قضية جزيرة القرصاية من المصري اليوم

القطعة الرابعة: رملة بولاق
هي منطقة تعتبر أيقونة للتعبير عن ظلم الرأسمالية حيث تجتمع البيوت المتهالكة التي يسكنها الكادحون مع أبراج نايل سيتي الفاخرة في صورة واحدة وبالتالي كانت لوكيشن مثالي لتصوير فيلم سينمائي يناقش قضية الخصخصة وبيع البلد بأهلها لرجال الأعمال (صرخة نملة). رملة بولاق منطقة عشوائية شكلها بيزعج صاحب نايل سيتي (نجيب ساويرس) وبيتمني وبيخطط للتخلص منها لصالحه. صراع قذر بين اللي بيحارب من أجل البقاء وبين اللي بيحارب من أجل المزيد من الرفاهية والأرباح وكموقف غير مفاجئ انحازت الدولة لرجل الأعمال علي حساب المواطنين اللي ملهمش ثمن وتدخلت بالقوة وتعاملت بتعسف مع أهالي المنطقة المعدمة في محاولة لمساعدة الملياردير في تحقيق هدفه اللي غالبًا هيتقاسم ربحه مع أحد رجال الدولة

عن صراع أهالي رملة بولاق وساويرس

عن تدخل الأمن في الصراع

القطعة الخامسة: رفح
حادث الشيخ زويد اللي هز مصر مكنش حدث فريد من نوعه وحصل زييه في نفس المنطقة حوادث كتير وكلها سقط فيها ضحايا من الجيش لكن لسبب ما الضجة اللي دعمها الإعلام والرئيس بعد الحادث ده كانت مختلفة تمامًا. خرج الإعلام في حداد لم يحدث من قبل، خرج الرئيس يهدد ويتوعد كما لم يفعل من قبل، دعا لإجتماع مجلس الدفاع الوطني كما لم يحدث من قبل.. لسبب ما رد الفعل الناتج عن الحادث ضم حزمة من القرارات والإجراءات التي لم تتخذ من قبل.

الإجراءات الإستثنائية بعد الحادث الأخير مريبة.. فمباشرة بعد وصول خبر الحادث انطلق الإعلام يؤكد علي ضرورة إخلاء المنطقة الحدودية.. فكرة غريبة تم طرحها علي إستحياء من فترة ولكن إيه سر الإجماع عليها بعد الحادث ده علي وجه الخصوص؟

المريب إن بعد الحادث ببضع ساعات اجتمع مجلس الدفاع الوطني وقرر اللي ردده الإعلام وبعد الإجتماع بحوالي 3 أيام طلع "نص" القانون وبعد صدور القانون "مباشرةً" بدأت عملية التهجير.. يعني من لحظة وقوع الحادث حتي لحظة التنفيذ لم تستغرق الدولة المصرية سوي 4 أيام.. فهل قرار مصيري كقرار تهجير آلاف المواطنين وإخلاء منطقة حدودية مع دولة المفترض إنها معادية قرار سهل ليتم إتخاذه وتنفيذه في 4 أيام فقط؟

عن التهجير من موقع بي بي سي

عن التهجير من موقع مصراوي

بعيدًا عن الأسئلة اللي بتستدعي نظرية المؤامر خلينا نطرح أسئلة بريئة بقدر الإمكان.. زي سؤالنا عن جدوي التهجير وهل احنا متفقين إن الإرهابيين هم جزء من سكان المنطقة وعلشان كدة هيتم تهجيرهم لتدمير أوكارهم طب إذا كانت الخطة إن بعد التهجير هندمر أوكار الإرهابيين.. طب الإرهابيين نفسهم بقي هيروحوا فين؟لو "كل" البيوت تحتها أنفاق يبقي نقبض علي كل السكان ولو "بعض" البيوت هي اللي تحتها أنفاق المفروض نعرف البيوت دي ونقبض علي ساكنيها مش نخرج كل السكان وندي فرصة للمجرمين إنهم ينخرطوا مع السكان ويفلتوا من العقاب ويروحوا يكونوا بؤر للإرهاب في مكان تاني.. يعني اللي بيعمله الجيش دلوقتي هو إنه بيمحي أدلة إدانة الإرهابيين اللي بيتكلم عنهم بقاله شهور.. طب هو ده منطقي؟ هل التخلي عن تواجد مواطنين في منطقة حدودية قرار صحيح؟ ترحيل الحدود علي حساب أرضنا بيصب في مصلحة مين؟

بغض النظر عن السؤال الأخير ﻷنه مش برئ قوي بس الوضع مش بسيط وواضح زي ما الناس بتتعامل معاه.. يمكن تكون القطع المذكورة بعيدة عن بعضها ﻷن لسة في قطع كتير مفقودة واحنا مش شايفينها أو يمكن أنا سقطتها أو يمكن لسة محصلتش لكن الأكيد إنها مع بعضها هتعبر عن شكل له معني أكتر من لما تكون كل قطعة لوحدها.

الأحد، 29 يونيو 2014

العاطفة والسيسي

من أول ظهور للسيسي ومن قبل مرسي كان مهتم إنه يتعامل عاطفيا مع الوضع السياسي وخصوصا إن الشعب المصري يملك مشاعر فياضة ورومانسية مفرطة للقوات المسلحة حتي إنه كان عايز الثورة تغفر لمبارك 30 سنة ظلم وفساد دمروا مصر علشان في يوم من الأيام كان في الجيش. إدراك السيسي للنقطة دي خلاه يتوصي بزيادة بالخطاب العاطفي وخصوصا إن الخطاب العقلاني اللي حاول الشباب إستخدامه خلال معارك الثورة أثبت فشله مع الشعب

1- خطاب المهلة
بعد تحديد يوم 30/6 لنزول المعارضين لمرسي سواء كارهي حكم الإخوان أو كارهي حكم أي حد غير النظام اللي حكم مصر سنين طلع السيسي في خطاب حساس وجميل لو تم التعامل معاه بالحب والإحساس لكنه في نفس الوقت خطاب كارثي وهدم لمفهوم الدولة لو تم التعامل معاه بالمنطق
.
الموقف العام بيقول إن وزيرالدفاع طلع يخاطب الشعب بشكل مباشر ويدي مهلة لرئيس الدولة إنه يحل مشاكله مع الشعب وإلا.... الحقيقة الخطاب ماقلش وإلا إيه وهو ده المقصود بالخطاب العاطفي.. خطاب لما تحب تلخصه ماتقدرش تصيغه في نقط محددة وﻻ قرارات وﻻ رؤية وﻻأي حاجة مجرد حب في حب ورومانسية ومداعبة لمشاعر شعب لم يجد من يحنو عليه.. وده لفظ مش طبيعي يطلع من وزير دفاع أثناء وجود مظاهرات ضخمة في الشوارع وخلاف قوي مع الرئيس

2- خطاب التفويض
أو ممكن نسميه الإبتذال الأعظم.. الخطاب ده هيكون من الخطابات اللي العالم هيتداولها كمثال علي علاقة العاطفة بالسياسة. خطاب التفويض لو تم التعامل معاه برومانسية فهو خطاب جميل بيدل علي إن الراجل ده بيحب مصر ومش عايز يعمل حاجة الشعب مش عايزها وبالتالي ظهر بكل حنان يقول أنا عمري ما طلبت منكم حاجة كتمهيد عاطفي يصلح للفتيات في طلب تصريح من الأب لذهاب رحلة ترفيهية مع الجامعة وبعد كدة ييجي الطلب.. عايزكم الجمعة اللي جاية تنزلوا تفوضوني لمحاربة الإرهاب المحتمل.. نعم! ده كان الرد اللي المفروض يقوله الشعب للسيسي.. كان ﻻزم الشعب يسأل نفسه يعني إيه تفويض لقائد الجيش إنه يحارب إرهاب محتمل؟ يعني لو منزلناش ساعتها هيسيبنا للإرهاب يقتلنا مثلاً؟ طب لو حصلت حرب والعدو داخل علينا هل هيطلب مننا ننزل نفوضه لمواجهة العدو؟ طب بالنسبة لمؤسسة زي المخابرات.. هل بتشتغل منغير تفويض عادي وﻻ سايبين أجهزة المخابرات تلعب في البلد ﻷنهم لسة مخدوش تفويض؟ طب مش وجوده في منصب قيادي في مؤسسة مخولة بالدفاع عن البلد كافي إنه يحارب الإرهاب؟ المبهر في الموقف إن في آﻻف نزلوا بالفعل للتفويض ومسألوش الأسئلة المنطقية دي.. يعني احنا عندنا جموع بتتحرك بالعاطفة بدون تحكيم العقل أو طرح أسئلة بديهية
3- العاطفة بديل للبرنامج الانتخابي
دخول السيسي لمرحلة أعمق في السياسة وتقدمه لمنصب رئيس الجمهورية مكنش سبب كافي لتغيير الخطاب العاطفي وتبديله بالخطاب الموضوعي.. ويغيره ليه طالما لسة بيجيب النتيجة المطلوبة. ظهرالمرشح الرئاسي بدون برنامج إنتخابي ولم يخجل من التصريح بذلك لا هو وﻻ حملته وحتي متعبش نفسه إنه يرص أي كلام من اللي كان بيتردد بعد الثورة أو حتي قبلها وبكدة يبقي تفوق علي مبارك شخصياً اللي أرهق نفسه لطرح برنامج لن ينفذ. برضه من الأسئلة البديهية اللي المفروض تتسأل.. إيه هي معايير التقييم ﻹختيار السيسي في الانتخابات؟ وﻻ أقول لكم بلاش دي علشان هو أصلاً بقي رئيس من قبل الانتخابات.. طب إيه مقاييس تقييمه بعد ما يبقي رئيس؟ يعني امتي هنقول إنه نجح وامتي نقول إنه فشل؟ علي أي أساس هنقول احنا ماشيين صح وﻻ ماشيين غلط؟ هننزل بعد كام يوم نحاسبه علي إيه؟ طب بلاش كل ده.. هو المفروض هيعمل إيه علشان نعمله معاه؟ برضه مفيش أسئلة من دي وكفاية علينا إننا نور عينيه وبكرة هنشوف مصر.. طب إيه اللي هيحصل مش مهم بكرة لما تشوف هتعرف

العاطفة مش المفروض تدخل في السياسة وخصوصاً لو عاطفة بدون منطق ﻷن ساعتها ميبقاش نظام حكم إنما فيلم رومانسي وللمراهقين كمان ﻷن حتي البالغين في رومانسيتهم بيواجهوا مشاكلهم ويدوروا لها علي حلول منطقية. الخلاصة احنا عندنا سياسي هيبقي رئيس قدرته علي اثارة مشاعر الشعب أكبر من قدرة شعر صدر تامر حسني في بداياته علي إثارة مشاعر فتيات ثانوي ولكن زي ما بيقولوا دايماً.. الحب مش كافي علشان الجوازة تكمل والحب مش هيقدر يتجاوز مشاكل مصاريف البيت وﻻ تربية العيال وﻻ مشاكل الشغل.. وكذلك عاطفة السيسي

البوابة


الشعور بالخوف هو المحرك الأخطر لأي إنسان فلا صوت يعلو فوق صوت الخوف، شعور المرء بالتهديد يدفعه للتضحية والتنازل والتخلي عن أشياء لم يكن ليتخلي عنها في الظروف الطبيعية. رغم أنه مجرد شخص متشرد يهيم في الأرض باحثاً عن مأوي إلا أن فطنته لذلك المحرك جعلت منه ملكاً، ذلك الشخص الذي هبط علي مدينتنا فقيراً يتودد لهذا ويتقرب لذاك ليمنحه فرصة عمل أدرك سريعاً نقاط ضعف مدينتنا وقرر أن يحقق أحلامه بمساعدة غباء الآخرين.

بداية غريبة لحكم المدينة فذلك الشخص قرر أن يعمل كحارس لأحد البيوت، مجرد حارس يجلس علي باب البيت لكنه سرعان ما استطاع أن يوهم أهل البيت أنه ليس مجرد شخص يجلس ليرد السلام إنما هو حارس للبيت من المخاطر. نعم أقنعهم أن هناك الكثير من المخاطر، في بادئ الأمر لم يهتموا لكلامه وقالوا مستهزئين: ﻻبد أنه يختلق تلك الأساطير لنمنحه المزيد من المال حتي جاء يوم استيقظ أهل البيت علي صوت تحرك غريب وعندما خرج رب البيت وجد شخصاً يقف في الظلام يسرق بعض المقتنيات وعندما هاجمه رد الهجوم وأصيب رب البيت فدخل الحارس وانقض علي اللص وأوسعه ضرباً وأخذه ليسلمه لشرطة المدينة. في اليوم التالي طلب الحارس أن يشتري له أهل البيت سلاحاً ليستطيع دفع اللصوص إذا ما عاودوا المجئ مرة أخري وبالطبع لم يعارضه أحد بعد ذلك الحادث الذي برهن لهم وجود خطر حقيقي.

بعد ذلك الحادث بمدة استأذن الحارس أن يترك البيت لفترة حتي يزور أهله في مدينة أخري وما كان أصحاب البيت ليمنعوه عن زيارة أهله وفي اليوم التالي لسفره تعرض البيت للسرقة فلما عاد وعلم بالحادث اقترح عليهم أن يضعوا بوابة حديدية علي البيت وغلق كل منافذ المنزل بالأسوار الحديدية وبالطبع لم يمانع أصحاب البيت بعد أن تعرضوا للسرقة. بمرور الوقت تكررت نفس الجرائم في كل البيوت وانتشرت البوابات في المدينة وتعالت الأسوار وصارت أجور حراس البيوت الأعلي في المدينة وقرر ذلك الحارس تأسيس جمعية للبوابين للتنسيق فيما بينهم لحماية المدينة وبالطبع أهل المدينة رحبوا بالإقتراح فشعورهم بالخوف دفعهم لتأييد كل قرارات الحراس. تأسست الجمعية والرجل الذي جاء المدينة فقيراً صار رئيساً للجمعية وبمرور الوقت أصبحت جمعية حراس المدينة هي الآمر الناهي لأهلها.

صدرت قرارات عدة من تلك الجمعية، يجب أن يقوم أهل المدينة ببناء بيوت للحراس الذين يسهرون الليل لحمياتهم، يجب أن يدفع كل من يعمل في المدينة نصيباً من دخله لتوفير السلاح للعاملين بالجميعة، يجب بناء سور يحيط المدينة ويكون تحت سلطة الجمعية، يجب أن تخلو الشوارع من السكان بعد العشاء. كل تلك القرارات وغيرها كانت تصدر دون معارضة أو حتي استفسار فالخوف الذي صنعه الحارس الأكبر ورجاله في الخفاء دفع أهل المدينة للطاعة العمياء في العلن. لم يتسائل أحد عن سبب ظهور تلك الجرائم فقط بعد مجيء ذلك الحارس؟ ولماذا زادت مع تأسيس الجمعية؟ ولماذا هي في زيادة بالرغم من تلبية كل متطلبات الجمعية؟ لم يستنكر أحد زيادة الجرائم رغم التضحيات التي قدمها أهل المدينة، لم يعارض أحد الإجراءات التعسفية الصادرة من الجمعية، لم يرفض أحد منح المزيد من الصلاحيات والامتيازات لمن يعملون مثل كل من في المدينة، لم يتضرر أحد من سيل التنازلات التي قدمها مقابل أمان لم يحصل عليه. كان متشرداً صار متملقاً ثم كاذباً ثم خائناً فكان جديراً بحكم مدينتنا.

السبت، 14 يونيو 2014

الاتجار السياسي بالنساء

عندما وقع حادث إغتصاب فتيات في التحرير ليلة تنصيب السيسي تعامل الكثيرون مع الحادث وكأنهم وجدوا ديناصورًا علي قيد الحياة يتجول في وسط البلد وتناسوا تمامًا أن ذلك الحادث يتمتع بأي امتيازات غير أنه دليل إضافي أننا لسنا -كما ندعي- شعبًا متدينًا بطبعه. علي مدار سنوات الثورة وما قبلها صرخت المنظمات المدنية مطالبة بالتعامل مع تلك الحوادث التي حطم انتشارها كل فرص المجتمع لانكارها وأبطل وصفها بالفردية.

التقارير غير الرسمية عن التحرش مفزعة ومرعبة فكل التقارير تؤكد أن الأنثي المصرية تتعرض للتحرش بمجرد وصولها للكوكب ولا ينتظرها المتحرش حتي تكتمل ملامح الأنوثة لتحقق الاشباع الجنسي الحقيقي وإنما يكتفي بكونها أنثي وإن لم تتجاوز مرحلة التطعيمات، وكذلك النساء فوق سن الشباب ممن تجاوزن مرحلة الفتنة بعد أن صار لهن أحفادًا. لم تحتكر شريحة الشباب البالغ، المكبوت، المحروم، غير القادر علي الزواج حق تصدير المتحرشين بل شملت شرائح أخري تظل مشاركتها في الجريمة غير مفهومة حتي الآن مثل المتزوج، والطفل الذي يجهل الشعور بالشهوة، الناجح في عمله، القادر علي الزواج !

التبرير الشعبي كان الغطاء الأقوي للتحرش فبالرغم من عدم وجود أنثي لم يتم التحرش بها إلا أن النساء أنفسهن يبررن التحرش بلوم الضحية ووصفها بغير المحترمة نظرًا لما ترتديه من ملابس وطريقة تعامل منحلة ليتجاهلن تمامًا تعرضهن مسبقًا للتحرش فهل ذلك يُعَد اعتراف منهن أن ملابسهن غير وقورة ويتعاملن بطريقة منحلة؟

علي مدار سنوات الصراع الثوري مع النظام تعرضت المتظاهرات لما يسمي بالإرهاب الجنسي وهو ليس أسلوب حديث العهد في العالم كله، تاريخيًا عندم كانت تحتل دولة دولة أخري كانت قوات الدولة المحتلة تبدأ يومها بنهب الثروات واغتصاب النساء ليس فقط للمتعة إنما للتنكيل بالعدو، علي مستوي العالم كله تحدث انتهاكات في السجون والمعتقلات ويستخدم الانتهاك الجنسي أسلوبًا معهودًا لقهر الخصوم. في مصر كذلك لم تختفي الانتهاكات الجنسية للمعارضة منذ عهد ناصر وحتي يومنا هذا، كل تلك الانتهاكات كانت تحدث وراء الشمس في غيابة أمن الدولة وأقسام الشرطة ولكن مع بداية عصر ديموقراطية مبارك وفي عرس الاستفتاء علي تعديل المادة 76 ظهرت الانتهاكات واستخدم الارهاب الجنسي أمام الشمس بعد تعدي بلطجية الحزب الوطني علي صحفيات. مع بداية ثورة 25 يناير ظهر استهداف الفتيات لارهابهن جنسيًا من خلال التحرش وكشوف العذرية التي بررها رئيس مصر الحالي ورئيس المخابرات الحربية حينها وظهر الغطاء الشعبي مجددًا لالقاء اللوم -كالعادة- علي الضحية وبالتالي تجاوز المجتمع بسهولة مشهد تعرية فتاة علي أيدي رجال الجيش ليعود المشهد بوجه أقبح في ذكري ثورة يناير 2013 وحدثت الفاجعة لننتقل من مرحلة التحرش الجماعي إلي مرحلة الاغتصاب الجماعي، انتقلنا من مرحلة خروج الفتاة من الحادث فاقدة حرمة جسدها إلي لمرحلة خروجها فاقدة عذريتها.

كالمعتاد تجاوز المجتمع سريعًا ذلك الحادث وكالعادة تجاهلت الدولة الحادث ولم يصدر منها أي رد فعل حتي جاء حادث ليلة تنصب السيسي ليعيد -للمهتم- ذكريات سنوات من الانتهاكات لكن تلك المرة لم تقف أطراف الدولة دون حركة وإنما حدث ما لم يحدث من قبل، حشد إعلامي غير مسبوق، رجال دين تخرج لتتحدث عن حرمة الجسد وضرورة اعدام المغتصب، وتحرك المجلس القومي للمرأة رافضًا للحادث مطالبًا بعقاب المتهمين.. نعم فتلك المرة قام الأمن بالقاء القبض علي الجناة -والله اعلم- لتقديمهم للعدالة. ذو العقل يتسائل: لماذا الآن؟ لماذا نري لأول مرة تحرك علي حادث مكرر؟ لماذا يتحدث الآن رجال الدين عن اعدام المغتصب؟ ألا يعلم أن المحاكم المصرية بها الكثير من قضايا الاغتصاب التي تنتهي بالسجن سبع سنين علي المتهم؟ ألم يسمع من قبل عن حوادث اغتصاب في مصر أم أن ذلك الحادث هو الأول في تاريخ مصر؟ لماذا لم يطالب بتعديل القوانين من قبل؟
 
السر يا سادة في زيارة السيسي لاحدي ضحايا ذلك اليوم فكانت زيارة بمثابة الضوء الأخضر لهؤلاء كي ينطلقوا مهللين متحمسين، فالآن -فقط- قررت الدولة الحفاظ علي عرض المصريات، وحصريًا لذلك الحادث فقد حظي باهتمام القائد الملهم. حتي أن المجلس القومي للمرأة قرر المشاركة في وقفة لرفض الحادث مما يطرح العديد من الأسئلة الواجبة.. ماذا بخصوص الانتهاكات التي تحدث في السجون ضد الفتيات المعتقلات؟ هل إذا تم المطالبة بمحاسبة من قاموا بكشوف العذرية سيتفاعل معنا الرئيس؟ هل يعترف الإعلام بانتهاكات الأمن؟ هل سنري يومًا محاكمة مغتصب ومتحرش بزيه الميري أم سيظل أبناء الميري في أمان مهما فعلوا؟

سيتجه الكثيرون لإساءة الظن في كلماتي وسيطرح السؤال الاستنكاري في التعليقات: يعني أنت زعلان إن أخيرًا الدولة خدت موقف؟ وأنا أرد يا سادة كل ما أتمناه هو العدل.. العدل غير المرهون بإشارة حاكم، الذي لا يهتم بانتماء الضحية، العدل المطلق العازف عن الحسابات السياسية وألاعيب المصالح، عدل يعرف الهوي ويجهل المناصب.. كل ما نطلبه هو عدل للجميع فهل نطلب الكثير؟

الجمعة، 16 مايو 2014

دولة إسرائيل الشقيقة


اتعودنا في الدراما السطحية اللي اتفرجنا عليها سنين إن الصراع العربي الإسرائيلي عبارة عن حرب وجاسوسية وموسيقي عمر خيرت وياسر عبد الرحمن وإن الصراع هيتحسم بالسلاح. لكن إسرائيل انتقلت بذكاء لبعد أعمق من السطح اللي احنا لسة عايشين فيه وفكروا في طريقة أقوي بكتير من الصدام العسكري مع جيوش وراها شعوب عددها أضعاف عدد الإسرائيليين كلهم يعني حتي لو احتلوا البلاد دي وكان فيها مقاومة بتمثل 5 % من الشعب فده كفيل بظهور جيش جديد أو حركة مقاومة تهدد بقاء الكيان الصهيوني.

طالما المشكلة في الجيوش والمقاومة يبقي الحل في القضاء علي الاتنين، القضاء علي الجيوش كان من خلال توحيد مصالح قيادات الجيوش مع مصالح إسرائيل وبالتالي بدل ما الجيوش دي هي اللي تشكل تهديد علي الكيان الصهيوني تبقي هي الدرع اللي بيحوش عنها المجاهدين أو أي كيان شعبي يتحرك لمقاومة إسرائيل بالسلاح ده غير الإستعانة بالجيوش دي لقفل الحدود والقضاء علي طرق تسليح المقاومة في فلسطين. الحرب علي الإرهاب اللي هو الوهم الكبير اللي صنعته أمريكا وضحكت علي شعبها بيه وخاضت حروب لتحقيق مصالح رجال أعمال ورجال دولة علي حساب الجيش وعلي حساب شعب كل يوم بيزيد أعداؤه وكارهيه في العالم بسبب أفعال جيشه انتقل الوهم ده للشرق الأوسط واستخدمه القادة العرب من الدول اللي المفروض بتهدد أمن إسرائيل وكانت النتبجة تغير العدو الأول للجيوش بعد ما كان الكيان الصهيوني بقي ذلك الكيان الهلامي غير المحدد المسمي بالإرهاب واللي محدش بيقدر يحدد هويته وﻻ يقيس قوته وﻻ إمتي هيبطل كمبرر للتعسفات الأمنية والإنهيار الإقتصادي. توحدت مصالح القادة وتغيرت قبلة العداء للقواعد فأمنت إسرائيل من جيوش العرب.

بالنسبة بقي للشعب اللي لو فضل محافظ علي كراهيته للكيان الصهيوني ممكن في يوم يقلب علي قيادة جيشه ويرفض الموضة الجديدة ويطالب بمواجهة إسرائيل فكان الحل المقترح هو الأذكي علي الإطلاق. إسرائيل قررت الإبتعاد تماماً عن مناقشة الماضي ﻷنه أسود ومليان بمجازر وجرائم تكره أي كائن حي في الكيان الإرهابي المحتل اللي اسمه إسرائيل وبدأت تلعب علي نغمة جديدة اللي هي الصداقة والمحبة وقرروا التواصل مع الشعوب العربية والتقرب منها بلطف مبالغ فيه علشان بمرور الوقت يظهر سؤال بيقول: هو احنا ليه بنكره إسرائيل؟ دول بيحبونا قوي وبيعاملونا كويس. يعني بإختصار إسرائيل قللت إهتمامها بتزييف التاريخ وقررت تبدأ في صناعة تاريخ جديد مشرف قائم علي الصداقة والتواصل بين الشعوب.

صناعة تاريخ الصداقة بدأ من زمان وبيزيد بشكل ملحوظ مع سهولة التواصل وتصاعد نغمة المساواة والسلام العالمي والمحبة يعني دلوقتي مش صعب أبداً إنك تقابل واحد إسرائيلي علي الفيس بوك أو تشوف تعليقه علي اليوتيوب ومش بعيد يعمل لك فولو أو يضيفك كصديق ده غير الصفحات اللي معمولة خصيصاً بهدف التواصل مع العرب وإدّعاء الصداقة لدرجة إن الواحد بقي يلاقي المتحدث الرسمي باسم جيش الإحتلال يدعو بدعاء المسلمين ويتمني لهم جمعة مباركة وده بعد ما طلع رئيس وزراء الكيان الصهيوني أكتر من مرة يهنئ المسلمين بحلول رمضان ويقول لهم بالعربي رمضان كريم. زمان كان اللي بيشوف إسرائيلي حاجة من الاتنين إما إنه سافر برة مصر أو شافه وهو بيزور جنوب سيناء وخصوصاً طابا ولما كان بيرجع كان بيحكي عن ذلك الكائن الخرافي الذي لم يراه أحد من قبل ويتحول لقصة يرويها علي الأصدقاء في جلسات المقاهي وحكايات السمر ويصحح الفكرة السائدة عن الكائن الإسرائيلي ذو القبعة الصغيرة في مؤخرة رأسه والنظارة المثبتة علي طرف الأنف والتحدث بصوت أخنف طوال الوقت. يعني بعد ما كان الإسرائيلي كائن غامض وخرافي بقي عايش معانا وبقي يطلع يهنئنا بأعيادنا ويرد علينا بلغتنا وحتي لما نشتم فيه يتكلم معانا كويس.

السينما الإسرائيلية خدت التوجه ده من فترة برضه وروجت لفكرة الصداقة علي مستوي العالم وبكدة بقي كل العالم مؤمن إن إسرائيل صديقة العرب إلا العرب وبم إن العرب الجدد ﻻقيين الصداقة المفرطة دي والجو العام بيقول كدة يبقي هيشكوا في اللي كرههم في إسرائيل مش في إسرائيل نفسها. من أعمال السينما الإسرائيلية المعروفة فيلم اسمه "the band's visit” وده بيحكي عن فرقة الموسيقي للشرطة المصرية سافرت للمشاركة في مهرجان في إسرائيل ولما وصلوا ركبوا أتوبيس غلط ومن هنا دخلوا المجتمع الإسرائيلي واستضافتهم عائلة إسرائيلية وبدأوا في التعايش مع بعض مع توضيح إن الطرفين ضحية الكراهية الموروثة. الفيلم ده إنتاج 2007 وشارك في مهرجانات دولية وخد جوائز وبالطبع موجود وغيره من الأعمال علي الإنترنت ويقدر أي عربي الوصول لها واللي بعد ما يشوفه أو النوعية دي هيوصل للسؤال المطلوب: احنا ليه بنكره الإسرائيليين؟

الإعلام العربي والمصري علي وجه الخصوص تبني الفكر الصهيوني مش عارف عن عمد وﻻ عن جهل بس الوضع النهائي خلاه أسوأ من إعلام إسرائيل نفسها وبقي يردد جمل ومصطلحات تخدم فكرة تغيير العدو وتغيير قبلة الكراهة عن إسرائيل بل والتماس العذر لها كمان. فلسطين بقت غزة وغزة بقت حماس وحماس إرهابية وأي مصيبة علي الحدود وأبعد كمان من الحدود تبقي حماس اللي عاملاها واحنا من حقنا نحمي نفسنا.. بمراجعة التصريحات الإسرائيلية في كل إعتداء علي الفلسطينيين هنلاقي إن هو ده بالنص الكلام اللي كان بيتقال ده غير طبعاً المعلومة العظيمة اللي أصبحت حقيقة في وجدان الكثيرين إن الفلسطينيين هم اللي باعوا أرضهم لليهود.

عدو يغير من إستراتيجيته، قيادات باعت شعوبها، وشعوب هائمة في دوامات الفقر والجهل التي صنعتها الأنظمة، عيون أغفلت تماماً عدو يتسلل ويقترب من إصابة قلب القضية لتنتهي بلا رجعة هكذا صار حالنا والقادم أسوأ بلا شك إذا لم تتبدل الأمور.

حديث الصباح والمساء


- احنا ﻻزم ننزل ونشارك.
- يا عم نشارك في إيه ؟ دي مهزلة.
- ما هو احنا ﻻزم نعمل كدة وﻻ هانقضيها ثورة وإسقاط أنظمة بس ؟
- أساساً الموضوع كله هايخلص بالتزوير.
- ما هو احنا لو شاركنا هانكشف التزوير لكن لو قاطعنا مش هايحتاجوا يزوروا أصلاً.
- يا ابني دي عملية فاسدة من أساسها والمشاركة فيها خيانة.
- هي فاسدة وكدة كدة هاتتعمل والنتيجة هاتعتمد يبقي نشارك فيها ونقلل الخسائر أو يمكن كمان نحقق نجاح لو نظمنا صفوفنا كويس.
- ما هو انت لو شاركت فيها يبقي بتعترف بشرعية النظام والعملية الفاسدة دي وساعتها مش هاتقدر تعترض وﻻ تطعن في النتيجة ولو عملت كدة تبقي بتناقض نفسك ﻷنك عارف من الأول إنها فاسدة ومع ذلك شاركت.
- يمكن العملية فاسدة لكن التجربة نفسها هاتفيدنا وهانتعلم منها إزاي ننظم نفسنا ونرتب أوراقنا وهاتخلينا ننزل الشارع ونعرف الناس بينا وبمرور الوقت النتيجة الفاسدة هاتبان للناس إنها كانت فاسدة وإن النظام فاسد ومش هايوصلهم ﻷي حاجة وهايبقوا عايزين يستبدلوه بنظام تاني ساعتها ﻻزم نظهر لهم ونقول لهم احنا البديل ، تقدر تقول لي لو فضلنا نقاطع ونبعد عن الشارع هايعرفونا إزاي ؟
- مش ﻻزم يعرفونا بالطريقة دي .. هم هايعرفونا لما نقول لهم احنا مقاطعين ليه ونفضح لهم الفساد وزي ما قلت لما يدوقوا المرار من النظام هايعرفوا إننا كنا علي حق فلما ننزل لهم تاني كبديل هايختارونا.
- وهل ساعتها هاتكون عندك الخبرة والتنظيم والكوادر علشان تستحق لقب بديل ؟ وهل أصلاً انت معروف للناس دي وواصل لهم ؟ يعني انت شايف إنهم هايعترفوا بيك كبديل لمجرد إنك هاجمت النظام ؟
- الخبرة مش هانكتسبها من عملية فاسدة إنما من خلال عملية ديموقراطية نظيفة.
- عملية ديموقراطية نظيفة دي هاتلاقيها في الجنة إن شاء الله .. كل الأنظمة الديموقراطية اللي في العالم فيها عيوب وفيها أخطاء والنظافة اللي انتوا بتتكلموا فيها دي خيال والمفروض تكونوا عارفين كدة علشان كدة احنا ﻻزم ننزل ونشارك.
- يا عم نشارك في إيه ؟ دي مهزلة.
….... إلخ

الثلاثاء، 15 أبريل 2014

صلة رحم في سجن وادي النطرون

بعد القبض علي ابن عمتي وهو خارج من امتحانه في كليه علوم جامعة القاهرة يوم 16 يناير اتنقل لقسم الجيزة وتاني يوم اتنقل لمجمع محاكم الجيزة للعرض علي النيابة اللي أجلت التحقيق لحين اكتمال التحريات وبالتالي تم نقل ابن عمتي لمعسكر الأمن المركزي في الكيلو 10.5 وهناك كانت الزيارة الأولي وبالرغم من تقديم ما يثبت وجوده في امتحان وقت وقوع الجرائم المنسوبة إليه اللي أغلبها أصلاً محصلش وبالرغم من عمل هيئة التدريس لمؤتمر أكدوا فيه وجوده هو وزملاؤه من كلية علوم مع الدكاترة في الوقت ده واستعدادهم للشهادة بكدة إلا إن النيابة قررت تجديد الحبس علي ذمة القضية مرة واتنين وتلاتة لحد ما دخلنا في 3 شهور أهو وبالتالي مبقاش معسكر الأمن المركزي مكان مناسب وخصوصاً بعد زيادة عدد المعتقلين فتم ترحيله هو واللي معاه لسجن وادي النطرون.. وهناك كانت الزيارة التانية.

الاستعداد للزيارة :
المرة دي كان ﻻزم أروح مع أخوه علشان هو اللي معاه تصريح بالزيارة وده كان كويس جداً ﻷن الطريق دلوقتي بقي أبعد. كلمت أخوه قبلها بيوم وسألته مش عايز حاجة اجيبها معايا وطبعاً في الأول قال مفيش بس بعد الحاح قال لي كنت عايزك تطبع صور ريتاج ومريم (بناته) علشان هو ماشافش ريتاج لحد دلوقتي.. للحظة سكت وبلمت ومسكت نفسي من العياط بسبب البؤس اللي لسة سامعه.. صور.. يعني واحد يشوف بنت أخوه في صورة ﻷنها اتولدت وهو محبوس! يعني واحد علاقته بأولاد أخوه تبقي من خلال صورة! قفلت معاه ونزلت اطبع الصور وأنا بدعي علي اللي كان السبب
 
الزيارة:
عدي علي ابن عمتي بعربيته واتفاجئت إن معاه عمتي اللي حاولت اتفادي مقابلتها من بعد ما ابنها اتقبض عليه لأني مش هستحمل أشوف أم محروقة علي ابنها وفي نفس الوقت الأم دي تبقي عمتي.. المشكلة إننا في الطريق عدينا خدنا أم صاحب ابن عمتي اللي عرفت إنها أردنية ومتجوزة من مصري وبالتالي المشوار بقي فيه اتنين أمهات عيالهم محبوسه. عمتي كانت أكثر تماسكاً من الأم التانية اللي كل شوية كانت تنفجر بالعياط وتقعد تحكي لنا عن ابنها وهو صغير.. تبتسم علي موقف يضحك من طفل وبعديه علي طول تبكي علي حاله دلوقت

وصلنا سجن وادي النطرون الساعة 9:30 الصبح واحنا عارفين إن قدامنا يوم طويل جداً بس الحقيقة مكنتش متخيل إنه هيكون صعب كدة. كل شوية أم صديق ابن عمتي تبص للسجن وتعيط وتقول لنا هو الناحية دي وﻻ الناحية دي (ابنها) وتشاور علي السجن وتأكد طب هو بعيد؟ طب بينام فين؟ وحكت لنا إن أصدقاء ابنها هم اللي بيونسوها علشان هي عايشة لوحدها واللي كان قاعد معاها محبوس، هم اللي بيروحوا لها يتغدوا معاها ويخرجوا يشتروا حاجات معاها وقالت لنا علي صاحبهم اللي اتقبض عليه معاهم وعرف يخرج علشان جاب واسطة إنه حاسس بالذنب ومش عايز يروح الكلية وﻻ عارف يذاكر

قعدنا في العربية لحد الساعة 1 الضهر لحد ما الشمس حميت علينا وبقي من الصعب تحملها فدخلنا نقعد في الاستراحة مع أهالي المعتقلين، منهم محكوم عليه ودول بيتقال عليهم محكومين ومنهم اللي محبوس علي ذمة قضية ودول اسمهم أمانات.. في السجن قرروا يفصلوا زيارة المحكومين عن زيارة الأمانات واحنا زيارتنا كانت آخر زيارة اللي هي الساعة 3:30 يعني من الساعة 9:30 لحد 3:30 قاعدين في الهو مبنعملش حاجة غير الانتظار والتخفيف علي بعضنا البعض

واحنا في الاستراحة شفت حاجت توجع القلب.. يعني أم معتقل كانت بتقول الحمد لله علي كل شيء.. ده احنا ممسوك لنا واحد ده فلانة لها ابن اتقتل واتنين محبوسين. وعمتي تقول في الزيارة اللي فاتت قال لي والله يا أمي أنا مكنتش عايز ادخل في السياسة مش عشاني إنما عشانك وأم صديقه بتقول زمان كنت عايزاه يعيش معايا في الأردن لكنه قال لي أنا هناك مصري واللي حواليا أردنيين لكني هنا مصري واللي حواليا مصريين لكنه لما كلمني من السجن قال لي أنا مش عايز أعيش هنا تاني. أطفال بتجري في المكان وهي مش مدركة المكان ده عبارة عن إيه وطبعاً دول أكيد وﻻد حد معتقل.. يعني أطفال رايحين يشوفوا أبوهم في السجن وزوجة طلعت بعيالها المشوار ده كله علشان تشوف جوزها اللي اتحبس.. بعد انتهاء زيارات المحكومين مفضلش في الاستراحة غير أهالي الأمانات وبالتالي الواحد كان شبه متأكد إن كل الناس دي زييه وليهم حد اتاخد ظلم

من أكتر الأمور المرهقة غير الشمس وطول الانتظار كانت الحاجات اللي واخدينها في الزيارة.. تقريباً كنا واخدين مشتريات بيت كامل من أكل وشرب واحتياجات نظافة غير علب السجائر مش لابن عمتي ﻻ سمح الله إنما علشان يمشي أموره في السجن ﻷنه لو احتاج يشتري حاجة فالفلوس ملهاش قيمة جوة وبالتالي بيتم استبدالها بالسجائر. الشنط الكتير عجزتني أنا وابن عمتي عن حملها مرة واحدة وبالتالي كنا بنروح أكتر من مرة ﻷننا شايلين حاجات ابن عمتي وحاجات صاحبه اللي أمه جابتها معاها وفي الآخر كدة كدة كله هيتحط علي بعضه مع زيارات الأهالي التانيين والشباب ياكلوا ويشربوا مع بعض.. ما هو برضه السجن شدة بتقرب الجدعان لدرجة إنهم عملوا عيد ميلاد لابن عمتي

اللقاء:
أصعب لحظة في اليوم لما تدخل مكان تشوف فيه حد قريبك وعزيز عليك ومتربي معاك وهو ﻻبس لبس السجن. دخلت بالشيلة اللي كانت معايا أوضة كبيرة فيها كل اللي عندهم زيارة وأهاليهم وقعدت أدور علي ابن عمتي لحد ما لقيته ورحت حطيت الشيلة وسلمت عليه وبدأت ابص حواليا أشوف نوعية المحبوسين معاه

ورايا كان سجين عجوز اللي بيزوروه أولاده وأحفاده وده خلاني اتسائل هو واحد في السن ده إزاي ممكن يكون خطر علي البلد وليه محدش قال ده راجل كبير زي ما كانوا بيقولوا علي مبارك. جنبي كان الراجل اللي شفت عياله بيلعبوا في الاستراحة، ولدين وبنت في سن ﻻ يتجاوز 10 سنوات كان حاضنهم هم ومراته طول الزيارة وماشالش ايده من عليهم طول الزيارة، جنب ابن عمتي كان صديقه اللي كان معانا أمه وده قعد علي الارض مقرفص جنب رجل أمه هي قعدت تملس علي رأسه وهم باصصين لبعض بيبتسموا. ساعتها عرفت معني جديد للحضن والتلامس بين الأحباب
بدأ ابن عمتي يطلب من أخوه حاجات للزيارة اللي بعدها ويسأله علي تطورات القضية وبعد كدة عرفنا علي أصدقاوه في الزنزانة.. فلان من كلية كذا.. علان من كلية كذا.. ده أحمد اتقبض عليه معانا وده هشام راح يسأل علي أحمد راحوا قبضوا عليه.. الشباب كان روحه المعنوية مرتفعة وبيضحكوا طول الزيارة حتي واحنا ماشيين سلمت علي صاحب ابن عمتي اللي أول مرة أشوفه وحضنته كأنه صاحبي وقلت له شدوا حيلكم رد علي بحماس ماتقلقوش علينا احنا كويسين وزي الفل خلوا بالكم انتوا من نفسكم

جت اللحظة اللي محدش كان عايزها تيجي.. "الزيارة انتهت" أكتر جملة بيكرهها أهالي مسجون في الزيارة.. في الأول بيخرجوا المسجونين بعد كدة الأهالي وأول ما المسجونين خرجوا بلا مبالغة الكل انفجر في البكاء وأم صديق ابن عمتي قعدت تضرب القضبان كأنها عايزة تنتقم منها ﻷنها حرمتها من ابنها. خرج الأهالي وكالعادة مشبعوش من اللي بيزوروهم لكن نفسهم مرتاحة شوية إنهم شافوهم. واحنا خارجين لقيت عربية ترحيلات جاية ونازل منها شباب جامعي بالشكل المميز للطلبة من نظارة ولبس سجن أنيق وباين عليهم محترمين حتي الظابط كان بيعاملهم باحترام مما يبدو إنهم عايزين يرفعوا مستوي السجن بالناس دي
البهدلة اللي ابن عمتي وزمايله فيها هي المرمطة الطبيعية بتاعة السجن.. الحرمان من الأهل، الحرمان من إنك تشوف عيالك أو عيال أخوك وهم بيكبروا، الحرمان من الأم، الحرمان من الحياة بصفة عامة كل دي حاجات طبيعية في السجن ﻷن السجن عقاب وهو ده الهدف منه.. عقاب الشخص علي سوء استخدامه الحرية لكن لما يبقي عقاب علي حاجة متعملتش يبقي ظلم يستحق القصاص. كل الأحداث دي والتفاصيل دي وأكتر منها حصلت بسبب صدفة.. مجرد صدفة.. واحد اتقبض عليه بالغلط فاتشقلب كيان عيلته كلها وقضي شهور من قسم لنيابة لمعسكر لسجن وكل ده صدفة.. طب ده لما يطلع ويقول إنه عايز يهاجر ممكن أقول له إيه؟ استني؟ في أمل؟ بكل بساطة هيسألني سؤال هيحسم الحوار.. أنا اترميت شهور في السجن لمجرد إن ضابط قرر ياخدني.. هل تضمن إن ده ميحصليش تاني؟

إن كانت نفسية ابن عمتي كويسة ﻷنه راجل جدع فده مايمنعش إن اللي حصل في حقه وحق اللي معاه جريمة واللي بيحصل مع غيره وأكتر من كدة جريمة تخليك تشوف الكفر في أفعال البشر.. بس إذا كان هم كفروا بحساب ربنا فاحنا أملنا كله في حسابه ﻷن قصاص الدنيا كله مايعوضش اللي بنشوفه