الخميس، 19 ديسمبر 2013

تبلد مشروع

في يوم ما في احدي محطات المترو مرت وسط الحشود بملابس مهلهلة وشعر غجري امرأة تبدو غير طبيعية أو لعلها ممن يدَّعون الخلل العقلي لجمع المال بالتسول واقتربت من شاب وصرخت في وجهه ثم أكملت طريقها بعد أن تسببت فيفزع للشاب ولكل المتواجدين علي جانبي المحطة. فينفس المكان كان يجلس شاب علي مقعد المترو يتابع ذلك الموقف بكل برود وكأنه يشاهد حلقة قديمة من الكاميرا الخفية التي يغلب عليها التصنع والأداء غير المقنع.فجأة قررت تلك المرأة النزول إلي قضيب المترو وظن الركاب أنها في طريقها للانتقال إلي الجانب الآخر ولكنها قررت أن تعصف بهدوئهم بوقوفها علي القضيب دون أن تكمل طريقها للجانب الآخر، تعجب الجميع وتبادلوا نظرات تحمل معني ماذا تفعل تلك المختلة وذلك الشاب مازال جالساً في مكانه دون إبداء أي انطباع محتفظاً بنفس ملامح وجهه التي تعبر عن شعوره العميق بالملل.

انتهت حالة التعجب وقضيت فترة التساؤل بعد أندوي في المكان أصوات الإنذار لتعلن عن قدوم القطار، فحل الذعر علي الجميع وملأ التوتر أرجاء المحطة، البعض بدأ في تنبيه المرأة الواقفة في طريق القطار، البعض أصابه الخوف بالشلل وفقد القدرة علي فعل أي شيء. اقترب صوت القطار أكثر فأكثر فبدأ البعض بالصياح أكثر وأكثر لتنبيه المرأة والبعض الآخر بدأ في تغطية عينيه حتي لا يري مشهداً من المتوقع أن يكون دموي، كل ذلك والشاب الهادئ يحافظ علي هدوئه ولا يحرك ساكناً و ﻻ يغير تعبيرات وجهه معلنا إصراره علي عدم التفاعل كما ينبغي لأي آدمي أن يتفاعل.

اقترب صوت القطار بشكل أكبر وكما يبدو أن تلك المرأة لم يعد أمامها الكثير لتختفي من عالم الأحياء فحل الصمت والسكون المحطة وبدا الجميع وكأنهم تماثيل تم نحتها لتعبر عن معني الذعر. وفجأة هلعت المرأة وكأنها فاقت من غيبوبة وهرولت مبتعدة عن القضبان ودخل القطار المحطة بسلام لتعود تلك التماثيل إلي الحياة وتبدأ مرة أخري في التنفس والتحرك رغم ترك الصدمة أثرها علي الجميع باستثناء ذلك الشاب الذي أخيراً تحرك من مكانه ليلحق بالقطار مع الاحتفاظ بتعبيرات الملل وعدم التفاعل.

كل ما سبق ذكره قصة حقيقة وحدثت بالفعل دون تحريف والشاب البارد الهادئ المحتفظ بملامح الملل هو أنا ولا أنكر أنني فوجئت برد فعلي مثل أي شخص سيفاجأ ويسب ذلك الشاب غير أنني بالتأكيد لم أسبه. أعرف أن للخطر هيبة وللموت جلالة لكن أية جلالة التي تتحدثون عنها ؟ نحن خلال عامين سمعنا بسقوط قتلي كالذين يعيشون في دولة محاربة،لقد مرت علينا أيام كنا نقرأ خبر سقوط عشرات ولا نعلم هل ذلك الخبر في سوريا أم فلسطين أم في مصر حتي نصل لنهاية الخبر،لقد اصبحنا نعيش ونتعايش مع الموت.حدثوني أكثر عن شخص لكي يذهب لعمله يومياً يستمع للراديو ليس لمعرفة الشوارع المزدحمة وإنما لمعرفة مناطق الاشتباكات لتجنبها،حدثوني أكثر عن سماعنا يومياً بقصص حوادث قطع الطرق والأستاذ فلان جارنا الذي قطعوا عليه الطريق الدائري وسرقوا سيارته بالإكراه، وابن الحاج علان الذي كان عائداً ليلاً فخرج عليه بعض المجرمين سرقوه وعندما قاومهم قتلوه، حدثوني أكثر عن شعورنا عند سماع أول حادث تعذيب في الأقسام وشعورنا الآن بعد سماعنا بحالات تعذيب جماعي في سجون رسمية وأخري غير رسمية. لقد عشنا جميعاً أكثر من عامين في حياة استثنائية، لذا كان علينا الاختيار بين تجميد الحياة وبين استمرارها.ذلك الاختيار في باطنه الاختيار بين التفاعل الآدمي والتبلد، مع ملاحظة أن التفاعل الآدمي يعني أن تقف الحياة من هول الصدمات الإنسانية ولكننا قررنا أن تستمر الحياة فلا تلوموني علي التبلد فهو تبلد مشروع

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

خوف


كانت تسير في أحد الشوارع الجانبية الهادئة نسبياً تتلفت حولها خوفاًَ من تعرضها لأي من الحوادث الشائعة في يومنا هذا وفجأة أصيبت بالفزع بعد أن ظهر أمامها طفل صغير يرتدي ملابس متهالكة معه عدد بسيط من الزهور يقوم ببيعها لكسب عيشه وعندما عرض عليها شراء زهرة ابتسمت له وكانت في طريقها لإخراج نقود من حقيبتها حتي قاطعتها نفسها محذرة "قد يكون ذلك الطفل تابعاً لعصابة ما وتلك الزهور التي يبيعها عليها مادة مخدرة فيعطيها لي ويطلب مني استنشاقها حتي أفقد وعيي ولا أدرك ما قد يُفعَل بي بعد ذلك"فجأة تغيرت ملامح الفتاة وتجاهلت الطفل وسارعت في خطواتها لتفلت منه لكنه لم يفقد الأمل وسار وراءها متوسلاً مساعدتها.

ظل الطفل يتوسل للفتاة وهي تسير بخطوات سريعة حتي لمحت رجلاً طاعناً في السن فاقتربت منه وقالت له: لو سمحت أنا خائفة من ذلك الطفل وهو لا يكف عن ملاحقتي .. هلا وبخته وأبعدته عني. ابتسم لها العجوز قائلاً: لا تقلقي يا ابنتي وفجأة حدثته نفسه محذرة "قد تكون تلك الفتاة تابعة لعصابة ما وذلك الطفل ما هو إلا شريك في تلك المسرحية ليقوموا باستدراجي وسرقتي.. وربما قتلي" فجأة تغيرت ملامح العجوز وتجاهل الفتاة وسارع في خطواته حتي لمح سيارة أجرة فأوقفها وركب بها مسرعاً.

وصل العجوز إلي المنطقة التي يسكن بها و بدأ في توجيه السائق للدخول في شوارع جانبية ليصل مباشرة إلي بيته الهادئ فمن هم بمثل عمره لا يستطيعون السير لمسافات مهما كانت بسيطة وكفاهم سلالم العمارة. قال العجوز موجهاً السائق: اليمين القادم يا ابني. فرد السائق مبتسما: حاضر يا حاج وفجأة حدثته نفسه محذرة "قد يكون ذلك العجوز تابعاً لعصابة ما ويقوم باستدراجي لشارع مظلم حيث ينتظرني أنصاره من أفراد العصابة فيقوموا بمهاجمتي وسرقة العربة التي هي كل ما أملك.. بالضبط مثلما حدث مع زميلي الأسبوع الماضي"فجأة تغيرت ملامح السائق وطلب من العجوز النزول وتجاهل عدم قدرته علي سير تلك المسافة الطويلة مع صعوبة مرور سيارة في مثل ذلك المكان.

انطلق السائق في الطريق السريع للوصول لمكان تزداد فيه فرصة الحصول علي راكب جديد وفجأة انفجرت احدي عجلات السيارة فتدارك الموقف وببراعة تمكن من السيطرة علي السيارة والوقوف جانباً. ياله من توقيت سخيف ومكان سخيف فإن العجلة الاحتياطية للسيارة معطلة وتركها عند الميكانيكي لإصلاحها وذلك الطريق بعيد عن أي ورشة قد يجد بها حل لتلك الأزمة.وقف السائق علي الطريق يلوح لكل السيارات القادمة لتقله إلي أقرب عمار يستطيع فيه أن يجد حلاً لأزمته لكن تلويحه لم يكن مجدي، فلا أحد يقف في وسط طريق سريع مظلم ليساعد شخصاً غريباً قد يكون تابعاً لعصابة ما تختبئ في الظلام تنتظر توقف أي سيارة لتقوم بمهاجمة ركابها.