مضت
سنوات قبل آخر لقاء بينهما ,
صديقي دراسة فرقتهما
رحلات الكفاح وإثبات الذات ,
مضي كل منهما في طريقه
باحثاً عن الكمال ونيل المطالب بمغالبة
الدنيا.
بعد إنقاع الرابط
الدراسي استمرا في اللقاء بشكل منتظم ,
لكن مع تزايد صعوبات
الحياة تكررت الاعتذارات وابتعد اللقاء
عن اللقاء فتقلصت المساحات المشتركة
وابتعدت المسافات ولم يعد الأصدقاء أصدقاء
كما يجب أن يكونوا.
بعد
سنوات الفراق التقيا في زفاف صديق مشترك
فقررا إحياء ما كان بينهما ,
لعله الحنين للماضي ,
ولعلها يقظة بعد سبات
, يقظة
من تخلي عن ما يملك ليملك ما لا يملك فوجد
أن ما سعي لامتلاكه ما يستحق التفريط في
ما كان يملك.
كان لكل منهم شخص جديد
, حياة
جديدة ,
أحلام تحققت وأخري لم
تحقق.
وفي يوم اللقاء لم يكن
الاستعداد كما كان في الماضي ,
لم يعد بتلك البساطة
, ولم
يعد الحماس هو الشعور المسيطر إنما القلق
, في
الماضي كانت الأسئلة أكثر بساطة وحميمية
من نوعية أين سنذهب ؟ ماذا سنأكل ؟ أما
الآن فصارت الأسئلة محيرة وغير حميمية مثل .. كيف
سيراني ؟ من منا أكثر سعادة ؟ هل سأبدو له
كفاشل ؟
وقف
الأول أمام مرآة غرفة نومه ونظر لنفسه
واختلس النظرات لزوجته التي كانت تتحرك
في الغرفة دون أن تلاحظ نظرات زوجها
الحائرة.
وسط تلك النظرات التائهة
دار في ذهنه مشوار حياته وكيف تغير عن آخر
لقاء ,
لقد اجتهد في عمله
الكلاسيكي الذي لجأ إليه بعدما أرهقه
البحث عن الوظيفة التي ترضي طموحه ,
لجأ إليها ليضيق المسافة
بينه وبين من أحبها ويعجل بالزواج منها
,
وبالفعل حققت له الوظيفة
ما تمناه وتزوج من أحب ,
وأنجب منها طفلين قرة
أعين لهما ,
ولكن حلمه الذي لم
يتحقق ظل يؤرقه ويطل عليه من الماضي ليضيف
ألم كئيب علي حياته.
في
منزل فاره تغلب عليه المثالية في التناسق
والنظام والترتيب حتي يشك الناظر أن هناك
من يسكنه وقف الطرف الثاني من اللقاء أمام
خزانة ملابسه يبحث عما يبديه أكثر بساطة
من تلك الصورة البلاستيكية التي اعتاد
الظهور بها أمام الكاميرات ولقاءات
الفضائيات ,
فهو ذلك الفنان الذي
حارب من أجل حلم الوصول للجمهور بفنه حتي
صار من المشاهير ,
حقق ذاته ,
صار يعيش في رغد ورخاء
ما كان يتوقعه ورغم كل ذلك يشعر بالشفقة
علي نفسه ,
فها هو يعيش وحيداً
رغم الزحام الذي يحيط به أينما ذهب ,
صراعه من أجل الوصول
أنساه أنه وحيد ,
وعندما حقق النصر
المراد وجد أنه قطع شوطاً كبيراً من الحياة
وحده ,
واليوم ينظر لذلك
المنزل الذي يخلو من لمسات زوجة تضيف له
الحياة والدفء ,
يخلو من فوضي تسبب بها
طفل صغير اعتاد أن يخرب أغراض والده فيغضب
الوالد ثم يحتضن الصغير ويقبله … يا له
من شعور يستحق التنازل عن الكثير.
اتجه
الأول ناحية الباب فلحق به أحد أطفاله
راغباً في الخروج معه فيصيح فيه غاضباً
ويغلق الباب تاركاً وراءه طفل باكي.
وقف الثاني علي باب
منزله ينظر نظرة لاعنة لذلك الفراغ الأنيق
المفعم بالبرودة فيطفئ الأنوار في غل
وكأنه يحاول قتل المكان.
ركب الأول سيارته
الصغيرة المستعملة فوجدها بحاجة للإصلاح
فلعنها ولم يحاول إصلاحها كالعادة لكي
لا يفسد أناقته واتجه للطريق لإيقاف سيارة
تقله لمكان اللقاء ,
بينما ركب الثاني
سيارته المواكبة لطراز العام متضجراً من
ذلك الخدش الذي تسبب به أحد الأغبياء كما
وصف لنفسه.
اقترب اللقاء وكلاً
منهما تنهكه التساؤلات فتحول الشعور من
الحماس للحيرة وانتهي بالخوف.