علي طرف أحد الطرق السريعة وقف شاب في حالة تأهب لعبور الطريق دون
الاهتمام للنظر إلي العربات القادمة، فقط ينظر أمامه وكأنه في عالم آخر
بعيد عن ذلك العالم الصَخِب سريع الأحداث. البعض ممن حوله نظر إليه
متسائلاً ماذا يفعل ذلك الأحمق؟ ثم مضي دون أن يهتم بالإجابة والغالبية لم
تعره أي اهتمام وسارت في طريقها لتتعامل معه وكأنه غير مرئي.كالعادة ﻻ أحد
يهتم لأمري، ﻻ أحد يرهق نفسه في التساؤل عما أصابني مهما بذلت من مجهود
لإظهار سوء حالي.. من المحير شعوري حتي الآن بالألم من تجاهل الآخرين.. كم
من الوقت أحتاج كي أعتاد علي ذلك؟
تتحرك حياتي دوماً نحو
الأسوأ دون تردد، لم أهنأ يوماً بنجاح ولم أشعر في حياتي بنشوة تملأ قلبي
حماساً ورضا، عندما كنت أرزق بما يسر قلبي كنت أتوقع أن يتبعه ما يضفي
لوناً حزيناً علي حياتي وكان ذلك دائماً ما يحدث.عشت مدفوعاً من الآخرين
نحو نهايتي. بكل إخلاص قاموا بإقناعي أن الهلاك في صالحي. يجب أن تقبل بتلك
الوظيفة حتي ﻻ تظل عاطلاً..ﻻ تتمرد حتي ﻻ تخسر كل شيء.. ﻻ تعارض فالمعارضة
لم تنفع أحداً من قبلك..ﻻ تحلم فالحلم وهم.. ﻻ تطمح فالطموح يسبب لصاحبه
الألم..فقط تعايش وتقبل الأمر الواقع..كن نسخة مثل غيرك فلا سبيل لك لتصير
ما تريد. واليوم بعد أن سرت بالإكراه أتمني أن القي كل من نصحني لأسأله: هل
بقبولي صرت عاملاً؟ هل بخضوعي صرت فائزاً؟ هل بقبولي صرت هانئاً؟ هل بكوني
نسخة صرت.. أي شيء؟
لم ﻻ يكف هؤلاء عن النصح بما ﻻ
يؤمنون؟ لملا يتركون الآخرين وشأنهم؟ أليس من حقي أن أختار مصيري دون أن
أشعر بأني مراقب وأنني سأتعرض للنقد علي كل ما أفعل؟ لم ﻻ ينظرون لأنفسهم
أولاً ويتساءلون هل هم سعداء بتطبيقهم تلك النصائح؟ أليس من حقي أن أفشل
علي طريقتي كما فشلوا هم علي طريقتهم؟ ﻻ أعرف لماذا ﻻ يتوقف هؤلاء عن جعل
ذلك العالم أسوأ واتخاذ القرارات أصعب؟
الانتحار..فكرة لم
تغب عن ذهني مؤخراً، صرت أفكر بها ليلاً ونهاراً حتي صارت كل أحلامي
وكوابيسي تدور حول انتحاري. تارة يراودني حلماً أن مكاناً أفضل ينتظرني
لأقضي به حياة حرمت منها في حياتي الأولي، احلم أنني اهنأ بالسعادة التي
هجرتني وانظر من ذلك العالم علي بؤساء الحياة الأولي وأنا أردد: أنتم من
فعلتم ذلك بأنفسكم. تارة أخري تراودني كوابيس مؤلمة عن عذاب ينتظرني عقاباً
لي علي يأسي من رحمة الله، عذاب تجاوز ألمه ألم ما كان ينهكني في الدنيا
فاصرخ متوسلاً: أرحمني يا الله فأنا ضعيف في الدنيا وفي الآخرة. أعرف
الكثيرين ممن يتمنون الانتحار وﻻ يردعهم سوي خوفهم من عقاب الآخرة، لست
وحدي من لم يعد يطيق تلك الحياة ويشتهي الخروج منها بأسرع وقت ممكن، علمت
مسبقاً أن الدنيا نار المؤمن وجنة الكافر..ﻻ أعرف إن كنت مومناً ولكن علي
يقين أن الدنيا لي ناراً.
الانتحار خطيئة! ذلك ما يردده
الجميع ولكن لم ينظر أحدهم لتلك الخطايا التي يرتكبها، ينعتون المنتحر
بالكافر وهم في سلوكهم أشد كفراً، يرددون أن عذاب الله أليم لمن ييأس من
رحمته ولا يجرؤ أحدهم علي ترديد أن عقاب الله أليم علي الأذي والكذب
والنفاق والسرقة والإذلال والقهر وتدمير حياة الآخرين. كانوا سبباً
للانتحار ثم تقمصوا دور القديسين ونعتوا ضحاياهم بالكفرة، يعيشون في هناء
وينصحون أهل الشقاء بالصبر، يحتفظوا بالأحلام لأنفسهم ويطالبون أصحاب
الكوابيس بالصمت. الانتحار خطيئة لكن دفع الآخرين للانتحار ليس بخطيئة!
في
خطي متثاقلة بدأ بتحريك قدمه لعبور الطريق.لم تكن نيته أن يعبر تلك المرة.
لم تكن الجهة المقابلة هي غايته. الخروج من ذلك العالم كان هو الهدف
المنشود. يستخدم الطريق ليعبر إلي مجهول غموضه لم يردعه عن الخروج من تلك
المنظومة الخربة. بدأ الخروج بخطوة قصيرة مترددة، ثم أغمض عينيه وأخذ نفساً
عميقاً ثم فتح عينه ونظر للناس وجدهم يتحركون في هرولة غير مفهومة تبدو
عليهم الحيرة والضياع. تلك المرة لم ينظر لهم ليستعطفهم طامعاً في نظرة
اهتمام كالعادة إنما نظر إليهم بشفقة فهو رغم ما يشعر تجاههم يشفق علي ما
يفعلون بأنفسهم. وجه لهم نظرات تدعوهم للانضمام إليه فهم بالتأكيد مثله.
كالعادة لم يجبه أحد ولم ينظر إليه أحد ولم يهتم بدعواته أحد فقرر أن
يتركهم لجحيمهم وليذهب هو لجحيمه.
خطوة تلو الخطوة وصل
أخيراً لمنتصف الطريق وهو الآن يقف في مسار سيارة مسرعة، سائق السيارة ظن
أنه مغفل مثل هؤﻻء المغفلين الذين يصادفهم يومياً والذين يعجزون عن عبور
الطريق فيضطر لتفاديهم ليس حرصاً علي سلامتهم أو حفاظاً علي حياتهم إنما
حرصاً علي نفسه فهو علي غير استعداد أن يتعرض للمسائلة بسبب شخص ساذج أو
شخص قرر الخروج من الحياة من خلاله..إن كان يريد الانتحار فليتناول سماً أو
يشنق نفسه أو يستخدم أية وسيلة تضره هو وحده وليمت في صمت دون أن يزعج
الآخرين. اقتربت السيارة أكثر ولم يتحرك الشاب ولم يغير السائق مساره،
الشاب يبدو عليه الإصرار علي الخروج والسائق يرفض تحمل عناء تغيير المسار
بسبب ذلك الأحمق منتظراً أن يقفز هو بعيداً قبل لحظة الصدام وليصطدم فيما
بعد بسيارة أخري.. ﻻ يهم.
أخيراً بدأ البعض في النظر
والاهتمام بذلك الشاب وتعالت الأصوات لتنبيهه من خلال النصح أو من خلال
السب لكنه لم يستجب لعله قرر أن يصم أذنه أخيراً عن أصوات الآخرين وياله من
قرار جاء متأخراً.اقتربت السيارة وحانت لحظة الصدام واستعد الحضور لمشاهدة
منظر دامي واستعد الشاب لبلوغ هدفه. قبل أن تصطدم السيارة بالشاب قام
السائق بتغيير مساره وقام الشاب بالقفز بعيداً عن السيارة فلا السائق علي
استعداد لتحمل المسؤولية وﻻ الشاب يملك الثبات المطلوب.