بعد
القبض علي ابن عمتي وهو خارج من امتحانه
في كليه علوم جامعة القاهرة يوم 16
يناير اتنقل
لقسم الجيزة وتاني يوم اتنقل لمجمع محاكم
الجيزة للعرض علي النيابة اللي أجلت
التحقيق لحين اكتمال التحريات وبالتالي
تم نقل ابن عمتي لمعسكر الأمن المركزي في
الكيلو 10.5
وهناك
كانت الزيارة الأولي وبالرغم من تقديم
ما يثبت وجوده في امتحان وقت وقوع الجرائم
المنسوبة إليه اللي أغلبها أصلاً محصلش
وبالرغم من عمل هيئة التدريس لمؤتمر أكدوا
فيه وجوده هو وزملاؤه من كلية علوم مع
الدكاترة في الوقت ده واستعدادهم للشهادة
بكدة إلا إن النيابة قررت تجديد الحبس
علي ذمة القضية مرة واتنين وتلاتة لحد ما
دخلنا في 3
شهور
أهو وبالتالي مبقاش معسكر الأمن المركزي
مكان مناسب وخصوصاً بعد زيادة عدد المعتقلين
فتم ترحيله هو واللي معاه لسجن وادي
النطرون..
وهناك
كانت الزيارة التانية.
الاستعداد
للزيارة :
المرة
دي كان ﻻزم أروح مع أخوه علشان هو اللي
معاه تصريح بالزيارة وده كان كويس جداً
ﻷن الطريق دلوقتي بقي أبعد.
كلمت
أخوه قبلها بيوم وسألته مش عايز حاجة
اجيبها معايا وطبعاً في الأول قال مفيش
بس بعد الحاح قال لي كنت عايزك تطبع صور
ريتاج ومريم (بناته)
علشان
هو ماشافش ريتاج لحد دلوقتي..
للحظة
سكت وبلمت ومسكت نفسي من العياط بسبب
البؤس اللي لسة سامعه..
صور..
يعني
واحد يشوف بنت أخوه في صورة ﻷنها اتولدت
وهو محبوس!
يعني
واحد علاقته بأولاد أخوه تبقي من خلال
صورة!
قفلت
معاه ونزلت اطبع الصور وأنا بدعي علي اللي
كان السبب
الزيارة:
عدي
علي ابن عمتي بعربيته واتفاجئت إن معاه
عمتي اللي حاولت اتفادي مقابلتها من بعد
ما ابنها اتقبض عليه لأني مش هستحمل أشوف
أم محروقة علي ابنها وفي نفس الوقت الأم
دي تبقي عمتي..
المشكلة
إننا في الطريق عدينا خدنا أم صاحب ابن
عمتي اللي عرفت إنها أردنية ومتجوزة من
مصري وبالتالي المشوار بقي فيه اتنين
أمهات عيالهم محبوسه.
عمتي
كانت أكثر تماسكاً من الأم التانية اللي
كل شوية كانت تنفجر بالعياط وتقعد تحكي
لنا عن ابنها وهو صغير..
تبتسم
علي موقف يضحك من طفل وبعديه علي طول تبكي
علي حاله دلوقت
وصلنا
سجن وادي النطرون الساعة 9:30
الصبح
واحنا عارفين إن قدامنا يوم طويل جداً بس
الحقيقة مكنتش متخيل إنه هيكون صعب كدة.
كل
شوية أم صديق ابن عمتي تبص للسجن وتعيط
وتقول لنا هو الناحية دي وﻻ الناحية دي
(ابنها)
وتشاور
علي السجن وتأكد طب هو بعيد؟ طب بينام
فين؟ وحكت لنا إن أصدقاء ابنها هم اللي
بيونسوها علشان هي عايشة لوحدها واللي
كان قاعد معاها محبوس، هم اللي بيروحوا
لها يتغدوا معاها ويخرجوا يشتروا حاجات
معاها وقالت لنا علي صاحبهم اللي اتقبض
عليه معاهم وعرف يخرج علشان جاب واسطة
إنه حاسس بالذنب ومش عايز يروح الكلية وﻻ
عارف يذاكر
قعدنا
في العربية لحد الساعة 1
الضهر
لحد ما الشمس حميت علينا وبقي من الصعب
تحملها فدخلنا نقعد في الاستراحة مع أهالي
المعتقلين، منهم محكوم عليه ودول بيتقال
عليهم محكومين ومنهم اللي محبوس علي ذمة
قضية ودول اسمهم أمانات..
في
السجن قرروا يفصلوا زيارة المحكومين عن
زيارة الأمانات واحنا زيارتنا كانت آخر
زيارة اللي هي الساعة 3:30
يعني
من الساعة 9:30
لحد
3:30
قاعدين
في الهو مبنعملش حاجة غير الانتظار
والتخفيف علي بعضنا البعض
واحنا
في الاستراحة شفت حاجت توجع القلب..
يعني
أم معتقل كانت بتقول الحمد لله علي كل
شيء..
ده
احنا ممسوك لنا واحد ده فلانة لها ابن
اتقتل واتنين محبوسين.
وعمتي
تقول في الزيارة اللي فاتت قال لي والله
يا أمي أنا مكنتش عايز ادخل في السياسة
مش عشاني إنما عشانك وأم صديقه بتقول زمان
كنت عايزاه يعيش معايا في الأردن لكنه
قال لي أنا هناك مصري واللي حواليا أردنيين
لكني هنا مصري واللي حواليا مصريين لكنه
لما كلمني من السجن قال لي أنا مش عايز
أعيش هنا تاني.
أطفال
بتجري في المكان وهي مش مدركة المكان ده
عبارة عن إيه وطبعاً دول أكيد وﻻد حد
معتقل..
يعني
أطفال رايحين يشوفوا أبوهم في السجن وزوجة
طلعت بعيالها المشوار ده كله علشان تشوف
جوزها اللي اتحبس..
بعد
انتهاء زيارات المحكومين مفضلش في
الاستراحة غير أهالي الأمانات وبالتالي
الواحد كان شبه متأكد إن كل الناس دي زييه
وليهم حد اتاخد ظلم
من
أكتر الأمور المرهقة غير الشمس وطول
الانتظار كانت الحاجات اللي واخدينها في
الزيارة..
تقريباً
كنا واخدين مشتريات بيت كامل من أكل وشرب
واحتياجات نظافة غير علب السجائر مش لابن
عمتي ﻻ سمح الله إنما علشان يمشي أموره
في السجن ﻷنه لو احتاج يشتري حاجة فالفلوس
ملهاش قيمة جوة وبالتالي بيتم استبدالها
بالسجائر.
الشنط
الكتير عجزتني أنا وابن عمتي عن حملها
مرة واحدة وبالتالي كنا بنروح أكتر من
مرة ﻷننا شايلين حاجات ابن عمتي وحاجات
صاحبه اللي أمه جابتها معاها وفي الآخر
كدة كدة كله هيتحط علي بعضه مع زيارات
الأهالي التانيين والشباب ياكلوا ويشربوا
مع بعض..
ما
هو برضه السجن شدة بتقرب الجدعان لدرجة
إنهم عملوا عيد ميلاد لابن عمتي
اللقاء:
أصعب
لحظة في اليوم لما تدخل مكان تشوف فيه حد
قريبك وعزيز عليك ومتربي معاك وهو ﻻبس
لبس السجن.
دخلت
بالشيلة اللي كانت معايا أوضة كبيرة فيها
كل اللي عندهم زيارة وأهاليهم وقعدت أدور
علي ابن عمتي لحد ما لقيته ورحت حطيت
الشيلة وسلمت عليه وبدأت ابص حواليا أشوف
نوعية المحبوسين معاه
ورايا
كان سجين عجوز اللي بيزوروه أولاده وأحفاده
وده خلاني اتسائل هو واحد في السن ده إزاي
ممكن يكون خطر علي البلد وليه محدش قال
ده راجل كبير زي ما كانوا بيقولوا علي
مبارك.
جنبي
كان الراجل اللي شفت عياله بيلعبوا في
الاستراحة، ولدين وبنت في سن ﻻ يتجاوز
10
سنوات
كان حاضنهم هم ومراته طول الزيارة وماشالش
ايده من عليهم طول الزيارة، جنب ابن عمتي
كان صديقه اللي كان معانا أمه وده قعد علي
الارض مقرفص جنب رجل أمه هي قعدت تملس علي
رأسه وهم باصصين لبعض بيبتسموا.
ساعتها
عرفت معني جديد للحضن والتلامس بين الأحباب
بدأ
ابن عمتي يطلب من أخوه حاجات للزيارة اللي
بعدها ويسأله علي تطورات القضية وبعد كدة
عرفنا علي أصدقاوه في الزنزانة..
فلان
من كلية كذا..
علان
من كلية كذا..
ده
أحمد اتقبض عليه معانا وده هشام راح يسأل
علي أحمد راحوا قبضوا عليه..
الشباب
كان روحه المعنوية مرتفعة وبيضحكوا طول
الزيارة حتي واحنا ماشيين سلمت علي صاحب
ابن عمتي اللي أول مرة أشوفه وحضنته كأنه
صاحبي وقلت له شدوا حيلكم رد علي بحماس
ماتقلقوش علينا احنا كويسين وزي الفل
خلوا بالكم انتوا من نفسكم
جت اللحظة اللي محدش كان عايزها تيجي.. "الزيارة انتهت" أكتر جملة بيكرهها أهالي مسجون في الزيارة.. في الأول بيخرجوا المسجونين بعد كدة الأهالي وأول ما المسجونين خرجوا بلا مبالغة الكل انفجر في البكاء وأم صديق ابن عمتي قعدت تضرب القضبان كأنها عايزة تنتقم منها ﻷنها حرمتها من ابنها. خرج الأهالي وكالعادة مشبعوش من اللي بيزوروهم لكن نفسهم مرتاحة شوية إنهم شافوهم. واحنا خارجين لقيت عربية ترحيلات جاية ونازل منها شباب جامعي بالشكل المميز للطلبة من نظارة ولبس سجن أنيق وباين عليهم محترمين حتي الظابط كان بيعاملهم باحترام مما يبدو إنهم عايزين يرفعوا مستوي السجن بالناس دي
البهدلة اللي ابن عمتي وزمايله فيها هي المرمطة الطبيعية بتاعة السجن.. الحرمان من الأهل، الحرمان من إنك تشوف عيالك أو عيال أخوك وهم بيكبروا، الحرمان من الأم، الحرمان من الحياة بصفة عامة كل دي حاجات طبيعية في السجن ﻷن السجن عقاب وهو ده الهدف منه.. عقاب الشخص علي سوء استخدامه الحرية لكن لما يبقي عقاب علي حاجة متعملتش يبقي ظلم يستحق القصاص. كل الأحداث دي والتفاصيل دي وأكتر منها حصلت بسبب صدفة.. مجرد صدفة.. واحد اتقبض عليه بالغلط فاتشقلب كيان عيلته كلها وقضي شهور من قسم لنيابة لمعسكر لسجن وكل ده صدفة.. طب ده لما يطلع ويقول إنه عايز يهاجر ممكن أقول له إيه؟ استني؟ في أمل؟ بكل بساطة هيسألني سؤال هيحسم الحوار.. أنا اترميت شهور في السجن لمجرد إن ضابط قرر ياخدني.. هل تضمن إن ده ميحصليش تاني؟
إن كانت نفسية ابن عمتي كويسة ﻷنه راجل جدع فده مايمنعش إن اللي حصل في حقه وحق اللي معاه جريمة واللي بيحصل مع غيره وأكتر من كدة جريمة تخليك تشوف الكفر في أفعال البشر.. بس إذا كان هم كفروا بحساب ربنا فاحنا أملنا كله في حسابه ﻷن قصاص الدنيا كله مايعوضش اللي بنشوفه