منذ
البداية عقب تنحي مبارك كان أمام الشعب
المصري أكثر من مسار منها الثوري مثل
تشكيل مجلس رئاسي مدني مكون من ممثلي
التيارات السياسية لكن إختلاف تلك التيارات
حال دون ذلك وخصوصاً مع حساب البعض أنه
الأحق بالمنصب ككل أو علي الأقل يجب أن
يكون تمثيله أكبر في المجلس الرئاسي ,
وكان
من الحلول السياسية (غير
الثورية)
المسار
التونسي حيث قاموا بإنتخاب رئيس مؤقت
ولجنة لإعداد دستور جديد ,
وكان
هناك حل سياسي للتعامل مع الواقع بترك
المجلس العسكري في منصب الرئيس بشكل مؤقت
وتكوين لجنة تأسيسية.
لكن
بم أن من كان يقود مصر عقب الثورة هم قادة
الثورة المضادة فقد فرضوا إختيارات أخري
لم تكن مطروحة كحل ثوري أو سياسي.
دخل
الشعب في مهزلة الاستفتاء علي تعديلات
تجري علي 11
مادة
من الدستور القديم الذي ألغي العمل به
وفي حال الموافقة علي التعديلات يقوم
المجلس العسكري بوضع باقي أركان الدستور
المؤقت تحت مسمي إعلان دستوري.
ومن
الأسئلة التي كان يجب طرحها قبل الإستفتاء
هي لماذا لا نستفتي علي مواد الإعلان
الدستوري كاملاً ؟ ولكن أحداً لم يطرح
ذ اك
السؤال بل لم يطرح أحداً السؤال البديهي
الآخر ألا وهو ماذا لو كانت نتيجة الإستفتاء
رفض التعديلات ؟
أسئلة
لم تطرح وطرق لم تتضح معالمها فكانت مهزلة
سياسية إستدرج فيه المجلس العسكري الشعب
وأعانته بعض القوي السياسية التي وفقاً
لحساباتها أنها ستفوز في نهاية ذلك المسار
,
أما
غالبية الشعب كانت تبحث عن الإستقرار
والإسراع بإعادة الأمور لما قبل الثورة
بدون أي طموح في مستقبل أفضل ,
وحفزتهم
تلك القوي السياسية للموافقة علي التعديلات
بدعم فكرة أن الموافقة تؤدي ﻹستقرار أسرع
وأن هناك مخاطر محيطة بهوية الدولة وطمع
القوي السياسية الأخري في الحكم بغير حق
ولما كانت تلك القوي بعيدة عن الشعب أو
بمعني أدق كان الشعب بعيداً عنها لهجره
السياسة منذ عقود مع إستخدام باقي القوي
لخطاب غير سياسي (منها
الديني ومنها العاطفي)
سارت
الأغلبية في طريق ﻻ تعلمه.
بعد
الوصول لإعلان دستوري لم يستفتي فيه الشعب
إلا في جزء بسيط منه منح المجلس العسكري
نفسه كل السلطات مع التعهد لنقلها للسلطات
المنتخبة عقب إنتخابها.
جاءت
إنتخابات مجلس الشعب وسط رفض ثوري بعد
كشف نية المجلس العسكري في خداع المصريين
وسلبهم ثورتهم والتي لم تطن واضحة بالشكل
الكافي للقوي السياسية والشعب المتعطش
للإستقرار وبالفعل تم تجاهل صوت الثوار
الذين طالبوا بالعودة للمسار الثوري
بتشكيل مجلس رئاسي بعد تيقنهم أن تسلم
السلطة من العسكريين بالديموقراطية
أسطورة وحدث خرافي ليست له سابقة في
التاريخ الإنساني.
تم
إجراء الإنتخابات البرلمانية بعد ساعات
من مجزرة محمد محمود التي كانت فخاً للثوار
ساعد في عزلهم عن الشارع وزيادة الإحتقان
بينهم وبين اللاهثين وراء الإستقرار.
قبل
إجراء المرحلة الثانية من الإنتخابات
الرئاسية صدر حكم من المحكمة الدستورية
بعدم دستورية قانون إنتخابات مجلس الشعب
الذي سمح للأحزاب المنافسة علي المقاعد
الفردية فتطوع المجلس العسكري بإتخاذ
قرار حل البرلمان إستناداً لذلك الحكم
وبذلك يكون قد حل برلماناً منتخباً لعدم
دستوريته بدون أن يكون له حق دستوري في
إتخاذ ذلك القرار مما يسمي العدالة
الإنتقائية.
حل
البرلمان وصل بمصر للمربع "مجهول"
وليس
المربع صفر ,
فلقد
كان المسار المتفق عليه بعد الموافقة علي
الإعلان الدستوري هو أن يتم إنتخاب برلمان
ثم يقوم ذلك البرلمان بتشكيل لجنة تأسيسية
لكتابة الدستور علي التوازي مع إنتخابات
الرئاسة وبالتالي يصبح لدينا رئيس وبرلمان
ولجنة تضع دستور يستفتي عليه الشعب ثم
تعاد الإنتخابات بالدستور الجديد كما
أفتي البعض حيث أن تلك الخطوة لم يتم
التوافق عليها حتي آخر لحظة قبل حل البرلمان
أما الآن فما هو المسار ؟
تطوع
المجلس العسكري مرة أخري لحل تلك الفوضي
المفتعله من قبله بإضافة ما يسمي إعلان
دستوري مكمل ولكن تلك المرة لم يستفتي
الشعب علي أيٍ من مواده ليقرر فيه سحب
سلطات الرئيس المنتخب كرئيس سلطة تنفيذية
واحتفظ بها لنفسه بدون أي مبرر كما أنه
أعاد لنفسه حق التشريع بعد فرضه قراراً
غير دستوري بحل البرلمان وفي المسار
الجديد قرر أن يشكل هو اللجنة التأسيسية
لوضع دستور مصر مع تجاهل تام لشعب مصر مما
يتنافي تماماً مع مفهوم الدستور ,
وبعد
وضعه للدستور يقوم بإعادة إنتخاب البرلمان
وذلك خلال نهاية العام أي بعد ستة أشهر
من الآن والتي علي ما يبدو أنها الوحدة
المتعارف عليها في الثورة المضادة والتي
عادة قبل نهايتها تحدث كارثة تتسبب في
إضافة ستة شهور أخري.
الآن
بعد أن فرط الأغلبية في المسار الصحيح
بحثاً عن الإستقرار وصلت البلاد لقمة
الفوضي وفي المسار الخاطئ ,
خسرنا
زمناً ,
خسرنا
إقتصاداً ,
خسرنا
أرواحاً ,
أهدرنا
أموالاً ولم نصل للإستقرار ولم نصل لنصرة
الثورة ولم نحصل سوي علي المزيد من الفوضي
فهل يتعظ الشعب المصري مما حدث ويرفض
قيادة المجلس العسكري التي إن لم تكن في
إطار الثورة المضادة فهي تعد مراهقة
سياسية خسرت فيها كل طوائف الشعب ولم يحقق
أحداً مننا ما كان يسعي إليه.