في
احدي الأيام ركبت احد المواصلات العامة
وجلست في المقعد قبل الأخير ومن اللحظة
الأولي لي في العربة انتبهت إليها بصوتها
العذب الذي يدفعك للنظر إليها لكي تتعرف
علي ذلك الوجه البشوش صاحب الصوت الدافئ
ولكن في الوقت ذاته تدفعك الحالة إلي
الرغبة في عدم النظر والاكتفاء بالانصات
ورسم صورة مُرضية تتناسب مع روعة الصوت.
ذلك
الصوت دفعني للشعور بمجموعة من الأحاسيس
التي كنت قد فقدتها ربما لملاقاتي من لا
يمنحون إياها أو لانشغالي بالعقل وابتعادي
عن المشاعر التي تدخل بشكل مباشر في تكوين
البشر.
منحني
ذلك الصوت الإحساس بالأمان والراحة
والسلام الداخلي ,
كلماتها
كانت مجموعات متتالية من الضوء الذي يضيء
أركان باتت مظلمة في جنبات نفسي والتي
بالرغم من بساطتها وصدورها بشكل عفوي غير
مُنمّق إلا إنها كانت تحمل معاني قد يعيش
البعض منَّا ويموت قبل أن يدركها ويستمتع
بها.
قبل
أن يظن البعض أنني مشتاق وعندي لوعة أحب
أن أوضح أن من أتحدث عنها هي سيدة كبيرة
في السن ممن يطلق عليهن في الأوساط الشعبية
لقب "حاجة"
وأحياناً
"أمي"
للتعبير
عن الاحترام والقرب برغم عدم وجود سابق
معرفة ,
تلك
السيدة كانت تجلس في المقعد الخلفي مع
ابنها وابنتها.
وبالرغم
من كراهيتي الشديدة لخصلة التلصص علي
الآخرين في الأماكن العامة إلا أنني في
تلك اللحظات لم أتمالك نفسي وانهارت
مبادئي أمام شجرة التفاح.
تلك السيدة كانت حالة وكانت تمتلك قدرة رهيبة علي النظر لنصف الكوب الممتلئ , فعدما صدر موقف مزعج من السائق تذكرت هي موقف عظيم لسائق آخر والذي كان قد ساعدها في استعادة أموالها ممن سرقها أثناء ركوبها السيارة ورفض أخذ أي مقابل علي سبيل الأجر خاتماً موقفه الشهم بجملة "ده واجب علينا يا أمي" وعندما كاد السائق الذي نركب معه أن يصدم امرأة مرتدية النقاب وقامت تلك المرأة بالرد علي السائق بشكل لا يلق مع مبادئ النقاب تدخلت بنظرتها البشوشة وذكرت قريبة لها مرتدية للنقاب وشكرت في أخلاقها وطريقة تعاملها مع الآخرين ووصفتها بالوصف البسيط المعبر "دي بنت حلال" وذلك لتكرارها الاتصال بها علي فترات للاطمئنان عليها ولو أنني امتلك رقم تلك السيدة لاتصلت بها أنا شخصياً للاطمئنان عليها.
تعددت
المواقف وتوالت وجهات النظر التي تحمل
نفس الرؤية بأن الخير لا ينتهي من الحياة
وتمنيت وقتها أن يكون معي ما ادون به
المواقف التي ذكرتها لكي أتذكرها عندما
يضيق نظري ولا أري سوي ما يُنفّر المرء
من الحياة ولكني تعلمت وبشكل عملي أن
الأزهار مليئة بالأشواك ,
هناك
من يستمتع بالنظر للزهور والآخر يتألم
بنظره للأشواك.
انتهت
الرحلة ولم اعرف اسم تلك السيدة أو حتي
كنيتها ولم أتعرف علي وجهها ولكن برغم
ذلك احسبها من اهم الشخصيات التي قابلتها
حتي الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق