الاثنين، 3 ديسمبر 2012

حكايات تأسيسيتنا


البعض يظن أن مشكلة اللجنة التأسيسية للدستور بدأت بانسحاب بعض الأعضاء لكن لمن يتابع جيداً يلحظ أن التأسيسية لها قصة طويلة بدأت منذ بداية الثورة بل قبلها بسنوات

أولاً بعد التنحي
بعد التنحي وتولي المجلس العسكري إدارة مصر وفقاً لقرار مبارك كان ﻻبد من عمل تغييرات أو علي الأقل تعديلات لتصحيح المواد التي أفسدها مبارك ومن قبله السادات في الدستور المعمول به قبل الثورة (دستور 71 وتعديلاته في مايو 2005). المجلس العسكري تطوع وعطل الدستور ليس لصالح الثورة إنما ﻷنه كمجلس عسكري لم يكن يحق له الحكم وفقاً للدستور. ولكي يحصل المجلس العسكري علي شرعية أو بمعني أدق ينتزع شرعية طرح ما يمسي استفتاء مارس لعمل تعديلات علي دستور 71 والعودة للعمل به , لكن نواياه الدنيئة ظهرت بعد أن استفتي الشعب علي 11 مادة ولم يضيفهم لدستور 71 إنما ضمهم لإعلان دستوري فيه أكتر من 60 مادة كان منهم مواد تمنحه سلطات الرئيس وسلطة التشريع وغيرها من المواد المصيرية التي لم يستفتي عليها الشعب ولم يعلم بوجودها إلا مع نشر الإعلان بعد الموافقة علي التعديلات.

علاقة تلك المقدمة بالتأسيسية أن من وضع التعديلات و روج لها كانت مجموعة من القانونيين بعضهم من رجال العسكر والبعض الآخر من رجال الإخوان والحقيقة لست أدري هل قام العسكر بخداع الإخوان واستخدامهم كفصيل ذو شعبية وثقة وكونه التيار الوحيد المعروف لعامة الشعب وذلك لتمرير دستور يمنحه الشرعية ؟ أم أن تمرير الدستور كان مجرد صفقة بين الاثنين ؟ فلقد استفاد كلاً منهما من نتيجة الاستفتاء

ثانياً معركة التعديلات
من أحد أسباب رفض البعض للتعديلات الدستورية هي عملية اختيار التأسيسية , الاختيار المباشر والاختيار غير المباشر , فرفض التعديلات كان يعني اللجوء للاختيار المباشر لأعضاء التأسيسيةأي يقوم المواطنون بالنزول للتصويت في انتخابات لاختيار أعضاء التأسيسية (كما حدث في تونس) أما الموافقة علي التعديلات كان يعني انتخاب أعضاء مجلس الشعب ثم يقومون هم باختيار أعضاء التأسيسية وذلك كان مرفوضاً لأن البرلمان والسياسة والأحزاب متغيرات أما الدستور فهو من ثوابت الدولة وﻻ يجوز صناعة ثابت علي أساس متغير .. مثلاً حزب الأغلبية في الدورة الحالية قد لا يكون حزب الأغلبية في الدورة القادمة أو بعد عشرة دورات. ثم أن تشكيل لجنة لكتابة دستور يجب أن يبني علي أساس تمثيل الشعب (طوائفه – المهن – الأعمار – المحافظات المختلفة .. إلخ) وليس علي أساس تمثيل القوي السياسية.

ثالثاً التشكيل والحل
تمت الموافقة علي الإعلان الدستوري في تجاهل أغلبية المصوتين لنقطة اختيار التأسيسية وبدأ البرلمان في القيام بدوره باختيار أعضاء التأسيسية وكان البعض عنده أمل أخير إن البرلمان يراعي الأسس الصحيحة في اختيار التأسيسية ولكن تخوفات ما قبل الاستفتاء تحققت وتم اختيار أعضاء التأسيسية علي أساس حزبي وبرر البعض بكل سذاجة أن ذلك بديهي لأنهم الأغلبية المنتخبة من الشعب. المشكلة لم تكن فقط في الأسس الحزبية إنما أيضاً في الكفاءات فقد ضمت التأسيسية أفراد أقل كفاءة فقط لانتمائهم الحزبي أي أنهم من أهل الثقة وفي المقابل تم تجاهل كفاءات أخري لأنهم من معسكر الأعداء وفقاً للتصنيف الحزبي. لجنة بمثل ذلك التشكيل الفاسد كان طبيعي أن يحكم ببطلانها وحلها وكالعادة أنصار تيار الأغلبية -السياسية- فسر القرار إنه عداء ضد التيار وضد الدين.

رابعاً أزمات التأسيسية الجديدة
بعد حل التأسيسية الأولي تم تشكيل تأسيسية جديدة إلا إنها لم تختلف كثيراً عن الأولي غير أن الحزبية بها كانت أقل فداحه. بدأ العمل مع رفع دعوي لحل التأسيسية مرة أخري لوجود نفس الخلل في الأولي وبدأت المشاكل بالظهور لأول مرة من داخل التأسيسية نفسها بسبب عدم التوافق. الأغلبية البرلمانية في التأسيسية قررت أن الدستور يكتبه الأغلبية وليس بالتوافق مع باقي فئات المجتمع ظناً منهم أن الأغلبية من حقها الحكم ولم يفطنوا (لعدم فهمهم لمعني الدستور) أن وجود أقلية في الدستور يتم استبعاد صوتها يعني بالمقابل سقوط مواطنين من حسابات الدستور مما يشبه سحب الجنسية. التعامل بمبدأ الأغلبية والأقلية والتصميم علي تحكيم الأغلبية أدي ليأس بعض الأعضاء وإعلانهم الانسحاب من التأسيسية , وتوالت الانسحابات حتي وصل العدد ل 26 فرد من أصل 100 فرد !! ولو أن اختيار الأعضاء لم يتم علي أساس حزبي لزاد عدد المنسحبين.

خامساً التحصين
مع وصول أزمة التأسيسية للذروة من انسحابات تسقط شرعية أي عمل ينتج منها ومع اقتراب موعد الفصل في دعوي بطلان التأسيسية والذي غالباً كان سيمثل موعد لحل التأسيسية مرة ثانية لنفس أسباب حل الأولي تدخل الرئيس بإعلان دستوري يمنح من خلاله الحصانة لتأسيسية سقطت شرعيتها بكل المقاييس مما يعد إعلان صريح من الرئيس أن هدفه إعلاء راية حزبه السياسي وليس تحقيق مصلحة المواطنين دون تمييز حزبي.

سادساً الغضب والتجاهل
الإعلان الدستوري كان القشة التي قصمت ظهر المواطنين فخرجوا ضد أغلب بنوده ومنها تحصين التأسيسية إلا إن خروج مظاهرات معارضة تم التعامل معه بضخ المؤيدين في الشارع لإثبات خطأ الطرف الثاني -لمرة أخري- علي أساس حزبي متجاهلين الأسباب الفنية للنزول. في عند وتحدي أسرعت التأسيسية فجأة من عملها لإنهاء الدستور وطرحه للاستفتاء علي الرغم من منح الرئيس مهلة شهرين في الإعلان الدستوري إلا أن التأسيسية وجدت من الأفضل (سياسياً وحزبياً) ضغط العمل في 10 أيام.

سابعاً تسليم الدستور
في خطوات سريعة متلاحقة أنهت التأسيسية عملها وسلمت الدستور للرئيس وقام بطرحه للاستفتاء بعد أسبوعين لمن هم في الداخل وأسبوع واحد فقط لمن هم في الخارج. حصلنا الآن علي دستور معيب لعدم كفاءة كاتبيه , تجاهل نسبة ضخمة من ممثلي الشعب في التأسيسية , يرسخ قيم التجاهل والتهميش ورفض الآخر والمحاباة لتيار بعينه ويحول جزء كبير من الشعب إلي .. أقلية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق