الاثنين، 2 سبتمبر 2013

حكم الظلام

 لم أعد أذكر كم مضي علي زمن كانت تعيش فيه القاهرة بدون حظر تجول. ذلك الحظر الذي صار جزءاً من حياتنا وجزءاً من النظام. وزارة تتبعها وزارة وحاكم يتبعه حاكم ويظل الحظر مستمر. أذكر أن بداية الحظر كانت لحماية المواطنين ثم سرعان ما تحولت إلي غطاء للتخلص من المعارضة. أمر علي نقاط التفتيش التي صارت تحت سيطرة الجيش وألاحظ تطور أسلحة أفراده بشكل مستمر. لعل تقبل الشعب الحظر في بدايته كان جرمه الأكبر الذي دفع ثمنه باهظاً. أذكر تلك الأيام التي هلل فيها البعض لمن فرض الحظر لحمايته من الإرهاب ولكن عندما انتهت الحرب علي الإرهاب استمر الحظر وعندما عارض من آيد في البداية كانت نهايته مثل نهاية الإرهاب فما كان له إلا أن يقبل بالأمر الواقع.

كل شيء صار تحت سيطرة الجيش، وزارة الداخلية أصبح دورها أشبه بدور المخبرين لدي الجيش الذي احتفظ بالقوة لنفسه حتي ضد الداخلية نفسها. احدي القصص التي يتداولها المواطنون وقت الحظ أن اغتيال وزير الداخلية الأسبق ومجموعة من مساعديه كانت علي أيدي الجيش الذي الصقها كالعادة بالإرهاب ﻷنه علم بنية الداخلية في الخروج من سيطرة الجيش والعودة لحكم الشارع وجني ثمار السلطة التي استأثر بها الجيش وحده.

الميادين الرئيسية أغلقت بالكامل وتحولت إلي ثكنات ونقاط تمركز تنطلق منها القوات للقيام بدورها في الحرب علي الإرهاب. لم يصبح للمعارضين مكاناً للتظاهر في الشوارع الرئيسية نظراً ﻹنتشار الجيش الذي كان يطلق الرصاص علي أي تجمع وفقاً لقانون الطوارئ الذي يتم مده في كل استفتاء شعبي بالرغم من دعاوي رفض التجديد لكن النظام كان يطبق الدستور جيداً فيما يخص استفتاء الشعب علي الطوارئ لكنه لم يكن يطبق القانون في نزاهة التصويت وشفافية الفرز فوقع الشعب في فخ أسقط فيه نفسه عندما صدق أكاذيب الديموقراطية تحت مظلة العسكر.

بعدما زادت التظاهرات في الشوارع الجانبية وتعالت أصوات الغاضبين وشعروا بالأمان لوجودهم في منطقة خارج نفوذ الجيش قررت قيادات الجيش تعديل قوانين التجنيد، فتم زيادة مدة التجنيد وزيادة شريحة المجندين حتي شملت الفتيات. كانت المبرر لذلك القانون -كالعادة- الحفاظ علي الأمن القومي من التهديدات الخارجية وخصوصاً بعد أن وافقت اسرائيل علي تعديل معاهدة كامب ديفيد وقبلت بزيادة عدد المجندين في سيناء بعد أن وفقت أمورها جيداً مع قيادات الجيش لضمان استخدامهم لقمع أهل سيناء والمشاركة في حصار فلسطين. بالطبع نسبة الجنود التي كانت تنقص الجيش في سيناء أقل بكثير من عدد المجندين بالفعل. وبمرور الوقت ظهرت النوايا الحقيقية للقانون الجديد ألا وهي بدء الانتشار في الشوارع الجانبية لكبت ذلك التيار الجديد الذي بدأ في الشعور بقوته.

كانت الأوامر دائماً استخدام الرصاص الحي، و توقفت مصر عن شراء أسلحة فض الشغب فالجيش ليس بحاجة ﻷدوات تفض الشغب دون أن تقتل. اعتمد الجيش علي توزيع القوات بشكل يخالف مناطق سكنهم أو حتي أصولهم وكان يقسم الأفراد إلي طبقتين، الأولي تتكون من الأفراد الدائمين (النظاميين) والذي بلغت أجورهم أرقام لم يصل إليها غيرهم في البلاد وكان تسليحهم هو الأفضل (غالباً ما يكون في مدرعات ومركبات مصفحة)، أما الطبقة الثانية فكانت من الأفراد المؤقتين (المجندين) والذين كانوا يقضون خدمتهم بأقل الأجور ويحملون أقدم الأسلحة وأضعفها. كان المواطن المقبل علي تجنيده يدرك جيداً أنه في مهمة لقتل مواطن آخر، ربما تبدو تلك الفكرة غير مقبولة ولكن بعد سنوات من القتل والحياة في ظل حرب مع عدو وهمي أسموه الإرهاب تصير الفكرة أكثر قبولاً ومن لم يقبلها كان يقوم بتنفيذها خوفاً علي حياته، فما أكثر من قتلوا في معسكراتهم لامتناعهم عن تنفيذ الأوامر بقتل المتظاهرين.

لم يهتم الجيش بتأسيس دولة بوليسية فهو كان يستمتع بقمع النتيجة ويقال أن أحد القيادات سُئل من أحد الجنود لماذا لا نقبض علي رؤوس التنظيمات فرد ساخراً: ونحرم أنفسنا من متعة قتلهم ! لم يخلو شارع من قتيل أو قاتل، لم يخلو شارع من أطلال منزل احتمي به المتظاهرون من رصاص الجيش فقام بقذفه بالطائرات، لم تتوقف الحرائق لحظة واحدة، لم يعد أمام المواطنين سوي الانصياع لحكم الظلام، لم يعد أمامهم سوي الهرولة إلي منازلهم بعد إعلان القوات وقت الحظر وأنها ستطلق الرصاص علي أي شخص تراه يسير بعد أبواق الإنذار التي تلقي اليأس في قلب الشعب. حل الظلام علي مدينة كانت مزدهرة وتحلم بالحرية وصارت القاهرة مقهورة ولم يعد هناك ما يدعو للأمل. حتي تلك الكلمات سوف اتخلص منها بعد أن انتهي من كتابتها خوفاً من أن يقرأها أحد الشباب المتحمس فيخرج وﻻ يعود مثل غيره وأكون أنا من تسببت في دفعه لنهايته. الحظر لم يعد حظر تجول إنما صار حظر حياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق