الأحد، 29 يونيو 2014

البوابة


الشعور بالخوف هو المحرك الأخطر لأي إنسان فلا صوت يعلو فوق صوت الخوف، شعور المرء بالتهديد يدفعه للتضحية والتنازل والتخلي عن أشياء لم يكن ليتخلي عنها في الظروف الطبيعية. رغم أنه مجرد شخص متشرد يهيم في الأرض باحثاً عن مأوي إلا أن فطنته لذلك المحرك جعلت منه ملكاً، ذلك الشخص الذي هبط علي مدينتنا فقيراً يتودد لهذا ويتقرب لذاك ليمنحه فرصة عمل أدرك سريعاً نقاط ضعف مدينتنا وقرر أن يحقق أحلامه بمساعدة غباء الآخرين.

بداية غريبة لحكم المدينة فذلك الشخص قرر أن يعمل كحارس لأحد البيوت، مجرد حارس يجلس علي باب البيت لكنه سرعان ما استطاع أن يوهم أهل البيت أنه ليس مجرد شخص يجلس ليرد السلام إنما هو حارس للبيت من المخاطر. نعم أقنعهم أن هناك الكثير من المخاطر، في بادئ الأمر لم يهتموا لكلامه وقالوا مستهزئين: ﻻبد أنه يختلق تلك الأساطير لنمنحه المزيد من المال حتي جاء يوم استيقظ أهل البيت علي صوت تحرك غريب وعندما خرج رب البيت وجد شخصاً يقف في الظلام يسرق بعض المقتنيات وعندما هاجمه رد الهجوم وأصيب رب البيت فدخل الحارس وانقض علي اللص وأوسعه ضرباً وأخذه ليسلمه لشرطة المدينة. في اليوم التالي طلب الحارس أن يشتري له أهل البيت سلاحاً ليستطيع دفع اللصوص إذا ما عاودوا المجئ مرة أخري وبالطبع لم يعارضه أحد بعد ذلك الحادث الذي برهن لهم وجود خطر حقيقي.

بعد ذلك الحادث بمدة استأذن الحارس أن يترك البيت لفترة حتي يزور أهله في مدينة أخري وما كان أصحاب البيت ليمنعوه عن زيارة أهله وفي اليوم التالي لسفره تعرض البيت للسرقة فلما عاد وعلم بالحادث اقترح عليهم أن يضعوا بوابة حديدية علي البيت وغلق كل منافذ المنزل بالأسوار الحديدية وبالطبع لم يمانع أصحاب البيت بعد أن تعرضوا للسرقة. بمرور الوقت تكررت نفس الجرائم في كل البيوت وانتشرت البوابات في المدينة وتعالت الأسوار وصارت أجور حراس البيوت الأعلي في المدينة وقرر ذلك الحارس تأسيس جمعية للبوابين للتنسيق فيما بينهم لحماية المدينة وبالطبع أهل المدينة رحبوا بالإقتراح فشعورهم بالخوف دفعهم لتأييد كل قرارات الحراس. تأسست الجمعية والرجل الذي جاء المدينة فقيراً صار رئيساً للجمعية وبمرور الوقت أصبحت جمعية حراس المدينة هي الآمر الناهي لأهلها.

صدرت قرارات عدة من تلك الجمعية، يجب أن يقوم أهل المدينة ببناء بيوت للحراس الذين يسهرون الليل لحمياتهم، يجب أن يدفع كل من يعمل في المدينة نصيباً من دخله لتوفير السلاح للعاملين بالجميعة، يجب بناء سور يحيط المدينة ويكون تحت سلطة الجمعية، يجب أن تخلو الشوارع من السكان بعد العشاء. كل تلك القرارات وغيرها كانت تصدر دون معارضة أو حتي استفسار فالخوف الذي صنعه الحارس الأكبر ورجاله في الخفاء دفع أهل المدينة للطاعة العمياء في العلن. لم يتسائل أحد عن سبب ظهور تلك الجرائم فقط بعد مجيء ذلك الحارس؟ ولماذا زادت مع تأسيس الجمعية؟ ولماذا هي في زيادة بالرغم من تلبية كل متطلبات الجمعية؟ لم يستنكر أحد زيادة الجرائم رغم التضحيات التي قدمها أهل المدينة، لم يعارض أحد الإجراءات التعسفية الصادرة من الجمعية، لم يرفض أحد منح المزيد من الصلاحيات والامتيازات لمن يعملون مثل كل من في المدينة، لم يتضرر أحد من سيل التنازلات التي قدمها مقابل أمان لم يحصل عليه. كان متشرداً صار متملقاً ثم كاذباً ثم خائناً فكان جديراً بحكم مدينتنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق