السبت، 14 يونيو 2014

الاتجار السياسي بالنساء

عندما وقع حادث إغتصاب فتيات في التحرير ليلة تنصيب السيسي تعامل الكثيرون مع الحادث وكأنهم وجدوا ديناصورًا علي قيد الحياة يتجول في وسط البلد وتناسوا تمامًا أن ذلك الحادث يتمتع بأي امتيازات غير أنه دليل إضافي أننا لسنا -كما ندعي- شعبًا متدينًا بطبعه. علي مدار سنوات الثورة وما قبلها صرخت المنظمات المدنية مطالبة بالتعامل مع تلك الحوادث التي حطم انتشارها كل فرص المجتمع لانكارها وأبطل وصفها بالفردية.

التقارير غير الرسمية عن التحرش مفزعة ومرعبة فكل التقارير تؤكد أن الأنثي المصرية تتعرض للتحرش بمجرد وصولها للكوكب ولا ينتظرها المتحرش حتي تكتمل ملامح الأنوثة لتحقق الاشباع الجنسي الحقيقي وإنما يكتفي بكونها أنثي وإن لم تتجاوز مرحلة التطعيمات، وكذلك النساء فوق سن الشباب ممن تجاوزن مرحلة الفتنة بعد أن صار لهن أحفادًا. لم تحتكر شريحة الشباب البالغ، المكبوت، المحروم، غير القادر علي الزواج حق تصدير المتحرشين بل شملت شرائح أخري تظل مشاركتها في الجريمة غير مفهومة حتي الآن مثل المتزوج، والطفل الذي يجهل الشعور بالشهوة، الناجح في عمله، القادر علي الزواج !

التبرير الشعبي كان الغطاء الأقوي للتحرش فبالرغم من عدم وجود أنثي لم يتم التحرش بها إلا أن النساء أنفسهن يبررن التحرش بلوم الضحية ووصفها بغير المحترمة نظرًا لما ترتديه من ملابس وطريقة تعامل منحلة ليتجاهلن تمامًا تعرضهن مسبقًا للتحرش فهل ذلك يُعَد اعتراف منهن أن ملابسهن غير وقورة ويتعاملن بطريقة منحلة؟

علي مدار سنوات الصراع الثوري مع النظام تعرضت المتظاهرات لما يسمي بالإرهاب الجنسي وهو ليس أسلوب حديث العهد في العالم كله، تاريخيًا عندم كانت تحتل دولة دولة أخري كانت قوات الدولة المحتلة تبدأ يومها بنهب الثروات واغتصاب النساء ليس فقط للمتعة إنما للتنكيل بالعدو، علي مستوي العالم كله تحدث انتهاكات في السجون والمعتقلات ويستخدم الانتهاك الجنسي أسلوبًا معهودًا لقهر الخصوم. في مصر كذلك لم تختفي الانتهاكات الجنسية للمعارضة منذ عهد ناصر وحتي يومنا هذا، كل تلك الانتهاكات كانت تحدث وراء الشمس في غيابة أمن الدولة وأقسام الشرطة ولكن مع بداية عصر ديموقراطية مبارك وفي عرس الاستفتاء علي تعديل المادة 76 ظهرت الانتهاكات واستخدم الارهاب الجنسي أمام الشمس بعد تعدي بلطجية الحزب الوطني علي صحفيات. مع بداية ثورة 25 يناير ظهر استهداف الفتيات لارهابهن جنسيًا من خلال التحرش وكشوف العذرية التي بررها رئيس مصر الحالي ورئيس المخابرات الحربية حينها وظهر الغطاء الشعبي مجددًا لالقاء اللوم -كالعادة- علي الضحية وبالتالي تجاوز المجتمع بسهولة مشهد تعرية فتاة علي أيدي رجال الجيش ليعود المشهد بوجه أقبح في ذكري ثورة يناير 2013 وحدثت الفاجعة لننتقل من مرحلة التحرش الجماعي إلي مرحلة الاغتصاب الجماعي، انتقلنا من مرحلة خروج الفتاة من الحادث فاقدة حرمة جسدها إلي لمرحلة خروجها فاقدة عذريتها.

كالمعتاد تجاوز المجتمع سريعًا ذلك الحادث وكالعادة تجاهلت الدولة الحادث ولم يصدر منها أي رد فعل حتي جاء حادث ليلة تنصب السيسي ليعيد -للمهتم- ذكريات سنوات من الانتهاكات لكن تلك المرة لم تقف أطراف الدولة دون حركة وإنما حدث ما لم يحدث من قبل، حشد إعلامي غير مسبوق، رجال دين تخرج لتتحدث عن حرمة الجسد وضرورة اعدام المغتصب، وتحرك المجلس القومي للمرأة رافضًا للحادث مطالبًا بعقاب المتهمين.. نعم فتلك المرة قام الأمن بالقاء القبض علي الجناة -والله اعلم- لتقديمهم للعدالة. ذو العقل يتسائل: لماذا الآن؟ لماذا نري لأول مرة تحرك علي حادث مكرر؟ لماذا يتحدث الآن رجال الدين عن اعدام المغتصب؟ ألا يعلم أن المحاكم المصرية بها الكثير من قضايا الاغتصاب التي تنتهي بالسجن سبع سنين علي المتهم؟ ألم يسمع من قبل عن حوادث اغتصاب في مصر أم أن ذلك الحادث هو الأول في تاريخ مصر؟ لماذا لم يطالب بتعديل القوانين من قبل؟
 
السر يا سادة في زيارة السيسي لاحدي ضحايا ذلك اليوم فكانت زيارة بمثابة الضوء الأخضر لهؤلاء كي ينطلقوا مهللين متحمسين، فالآن -فقط- قررت الدولة الحفاظ علي عرض المصريات، وحصريًا لذلك الحادث فقد حظي باهتمام القائد الملهم. حتي أن المجلس القومي للمرأة قرر المشاركة في وقفة لرفض الحادث مما يطرح العديد من الأسئلة الواجبة.. ماذا بخصوص الانتهاكات التي تحدث في السجون ضد الفتيات المعتقلات؟ هل إذا تم المطالبة بمحاسبة من قاموا بكشوف العذرية سيتفاعل معنا الرئيس؟ هل يعترف الإعلام بانتهاكات الأمن؟ هل سنري يومًا محاكمة مغتصب ومتحرش بزيه الميري أم سيظل أبناء الميري في أمان مهما فعلوا؟

سيتجه الكثيرون لإساءة الظن في كلماتي وسيطرح السؤال الاستنكاري في التعليقات: يعني أنت زعلان إن أخيرًا الدولة خدت موقف؟ وأنا أرد يا سادة كل ما أتمناه هو العدل.. العدل غير المرهون بإشارة حاكم، الذي لا يهتم بانتماء الضحية، العدل المطلق العازف عن الحسابات السياسية وألاعيب المصالح، عدل يعرف الهوي ويجهل المناصب.. كل ما نطلبه هو عدل للجميع فهل نطلب الكثير؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق