الأربعاء، 23 مايو 2012

لحظات الهزيمة


ﻻ أعني هزيمة شخص ولكن هزيمة وطن , حيث يصل الشعور بالهزيمة والحسرة والحزن لكل من لديه قليل من الإحساس وقليل من الإدراك. عندما يرفض أبناء الوطن تصديق ما حدث وتقبل الموقف , وتمر عليهم لحظات الحقيقة وكأنها كابوس يتمنوا إنتهاءه بسقوطهم من علي أسرتهم

بدأت لحظات الهزيمة بمجموعة من الأشخاص علي سطح مبني تحت الإنشاء بجواره ترسو سفينه ضخمة تبدو كسجنٍ متحرك وكانت تلك المجموعة تحاول الخروج من أسر حراس السفينة وتحريرها. وسط الهتافات تعالت أصوات سلسلة من طلقات الرصاص تأتي من أسفل المبني من قوات رفضت خروج المجموعة عن المألوف وكتصعيد للشدة والحزم قرروا تحرك السفينه فوراً وعلي المجموعة سرعة التوجه لها. نظراً لسقوط ضحايا من إطلاق النار قررت الغالبية الرجوع للسفينة لكنهم فوجئوا بشروعها في التحرك فزاد الهلع وتزاحمت الجماهير وتسائل الجميع إن كانوا يريدون مننا العودة فلماذا ﻻيتركونا نعود؟! وبالفعل سقط البعض بين السفينة والمرسي وعجز البعض عن الوصول للسفينة وسط صرخات ودموع الذين نجحوا في الوصول لبر الأمان لشعورهم بالذنب وإحساسهم بالتخلي عن رفاقهم

دخل الناجون لمن كانوا علي السفينة منذ البداية ورفضوا النزول ليصرخوا بهم أنقذونا لقد قتلوا مننا من قتلوا وسقط مننا من سقط وتركنا مننا الكثير ولكنهم لم يحصلوا علي أي رد من الركاب الذي بدت نظراتهم تقول لهم لقد نلتم جزاءكم. يقف أحد الناجين مع عائلته من الركاب محاولاً إقناعهم أنه في الجانب الصحيح فذكروا له صديقه الذي كان يحترمه وفي النهاية تم سجنه في قضية مخدرات وهنا شعر بالقهر ﻷنه علي يقين من صديقه وصرخ في أهله : محدش يقول عليه كدة ده واحد محترم وشغال شغله محترمه وحافظ القرآن كفاية إن بيته إتخرب ومستقبله ضاع اقسم بالله لو حد قال عليه كدة تاني لأكون مقاطعة

تحرك ذلك الناجي في طرقات السفينة ليسقط مغشياً عليه من كثرة البكاء علي من فارقهم وعلي نظرة عائلته لصديقه الشريف وكان يتمني أن يموت وﻻ تكون مجرد حالة إغماء لكنه إستيقظ مرة أخري ليستمر في المرور علي غرف السفينة. كان كلما مر بجوار غرفة وجد إما أصحابها يتلقون العلاج بعد أحداث العنف الأخيرة من حراس السفينة أو كان يجد الغرف خاوية فأصحابها لم يعودوا ولن يعودوا إليها أبداً

دخل الناجي غرفة أحد الاصدقاء ليطمئن عليه فسمع دقات صغيرة علي الباب أسرع إليه ليجد ابن صديقه يقف وحيداً أمام الباب فيصرخ الناجي قائلا : في إيه ؟ في إيه ؟ فتظهر زوجة صديقه التي كانت مختبئة كنوع من المزاح لتعتذر له عما تسببت له من ذعر ليرد عليها قائلاً : انا مش عارف أفكر مش عارف أفكر. لقد ظن أن ذلك الطفل الصغير لن يري أمه بعد اليوم وسيكون -رغم صغر سنه– شاهداً علي مذبحة كانت أمه أحد ضحاياها

خرج الناجي من غرفة صديقه ليستمر في طريقه ويمر علي غرف من كان معهم ليشعر في تصرفاتهم بمعني لحظات الهزيمة فالكل يبكي وتظهر علي وجهه ملامح الذهول و الصدمة , الحركة بطيئة من الإنهاك والإحباط والحزن , الأعلام التي كانوا يرفعونها يبدو عليها الإستهلاك وآثار المطاردات وكأنها هي الأخري من المصابين , وفي تلك اللحظة بدأ البعض في طمس الشعارات الحماسية المرسومة علي جدران غرفهم وكأنهم ﻻيريدون أن تراهم وهم مهزومين حتي لا تتبرأ منهم. يخرج الناجي ليسير وحيداً يبكي بحرقه تمر عليه اللحظات كالسنين فهكذا تمر لحظات الهزيمة

قد يري البعض تلك القصة إبداع ويراها البعض الآخر خرافات لكنها في الواقع لا هذا وﻻ ذاك إنها ما حلمت به اليوم كأسوأ كابوس كانت المشاعر فيه حقيقية وعلي ما يبدو أنها ستفسد يومي الذي بدأته بالبكاء الشديد فلقد كنت انا الناجي في السفينة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق