الاثنين، 21 نوفمبر 2011

مشاعر من ميدان التحرير



كانت ليلة التاسع عشر من نوفمبر وبرغم قساوتها ليلة مبهجة، فوراء تلك الوجوه المغطاة بالغبار والأبدان المرهقة من الكر والفر قلوب استعادت فضائل ميدان التحرير. ذلك الميدان الذي شهد أعظم ثورة في التاريخ ثم تداعي عليها الطامعون المتسلقون كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها. عاد الهتاف واحداً وتوحد الصف متصدياً للظلم وتعاون الحاضرون غير مفرقين بين دينٍ ودين مما كان كافياً لتجاهل الهتاف العنصري "عاش الهلال مع الصليب" وتعاون الملتحي مع الفتاة وتحركت الجموع بشجاعة الأبطال فانشرحت القلوب بلسان حالٍ يقول "مرحي يا ميدان التحرير"

عند التوجه للصفوف الأمامية تجد شيوخاً عائدين بعد استنشاقهم للغاز المسيل للدموع والذي يسبب لمن في أعمارهم الاختناق وتجد الفتيات يحمون الحجارة ليقمن بإمداد الصف الأمامي بها لتحقيق الحد الأدنى من الدفاع عن النفس أمام هجمات قوات تملك كل وسائل القمع. برغم العنف المستخدم إلا أن المتظاهرين ما زل لديهم الأمل في السلمية وفي جنود الأمن مما دفع مجموعة من الشباب في الصف الأمامي بشارع محمد محمود لدعوة المتظاهرين بالتوقف عن إلقاء الحجارة ثم توجهوا بالهتاف لقوات الأمن "يا عسكري قول الحق .. إحنا اخواتك ولا لأ" وكان الرد سريع من قوات الأمن بسلسلة من القنابل والخرطوش لتصل الإجابة في أوضح صورها. عند مدخل شارع محمد محمود تري مشهداً مهيباً يتقدم فيه شيخاً متكئاً علي عكازه مكبراً ليحرج الشباب فيتبعوه مكبرين معه ثم يقودهم وسط الجموع ليصل إلي المقدمة.

تستمر الاشتباكات وتنتشر الغازات لتصل لكل من في الميدان مهما ابتعد، وتتعالي أصوات الحجارة علي أسوار الميدان لتدعو الجموع للتأهب لهجمات جديدة. يمر الوقت ويزداد البرد وتتساقط الضحايا ولا يخلو صدر أحد من الحاضرين من الغازات ولا يشعر أي من المتواجدين إلا بآلام في جميع عضلات جسده من تكرار الجري ومن برودة الميدان ويأمل الثوار في قليل من الراحة ولا أقصد هنا أن يحصلوا علي حمام دافيء ومشروب ساخن ثم نومة هنيئة في فراش مريح أنما أقصد أن يغفلوا لدقائق علي رصيف بارد في براح الميدان دون الاضطرار للكر والفر واستنشاق المزيد من الغازات لكن الأمن يأبى أن يمنح الأبطال الذين استمروا في الصمود قليل من الراحة في تعمد لاستنزاف طاقتهم لكن طاقة المؤمنين لا تنفذ ولو استمر الاشتباك لشهور.

يعلو آذان الفجر في الميدان ليتوجه الحضور للصلاة ليكتشف بعضهم المعني الحقيقي لها وينعموا بالتقرب من الله في معركة لا يملكون فيها سوي الإيمان والثبات من عنده وليشعروا بالمعني العظيم لقول الرسول "ارحنا بها يا بلال" تراهم يسجدون علي ارض الميدان، تراهم راكعين ساجدين خاشعين لا لمخلوق أو لحاكم من بشر أنما لله ليقوموا من سجودهم مدركين معني "الذل لله عزة" وينهوا صلاتهم ليعودوا مرة أخري للاشتباك بعد صلاة جددت في قلوبهم القوة والثبات.

شباب وفتيات وشيوخ , مسلمين و مسيحيين لا يمكنك التمييز بينهم فالجميع يردد نفس الهتاف , يتحرك في نفس الاتجاهات، يصيبهم نفس البلاء، عدوهم واحد وهدفهم واحد .. عيش حرية عدالة اجتماعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق